عمر إبراهيم الرشيد
أول قطاع يتصل بحياة أفراد المجتمع وصحتهم في كل الدول هو القطاع الطبي وهذا معروف لدى الجميع، وأكثر القطاعات لدينا مداً وجزراً منذ عقود، ولعل أكثر ما يدعو للتساؤل إن لم نقل الاستنكار من قبل معظم أفراد المجتمع هو التلكؤ في تطبيق التأمين على المواطنين من جهة، والمشاق التي على المواطن خوضها للحصول على سرير لتلقي العلاج في المستشفيات الحكومية. في فترة الثمانينيات الميلادية وتحديداً بدايتها، كان هناك شركات طبية أجنبية تشغل مستشفيات حكومية بعقود بينها ووزارة الصحة في المملكة، ويعلم الذين عايشوا تلك الفترة مدى المهنية التي كانت عليها تلك الشركات وبالتالي وضع الخدمات الصحية كنتيجة طبيعية. عشرات المليارات التي تنفقها الدولة على القطاع الصحي كل عام لم تفلح حقيقة في حل هذه المعضلة تحديداً (توفر السرير)، لا يوجد هناك مواطن في تقديري لم يمر بقصة بحث مضنية للحصول على سرير في مستشفى أما له أو لقريب أو صديق، حتى صارت هذه القصة من المظاهر المجتمعية المعتادة التي لا تثير كثير استغراب لدى الناس. لذا فالقضية ليست الدعم الحكومي والمعروف بأنه أسخى دعم على مستوى العالم قياساً على الموازنة، إنما القضية إدارية في المقام الأول، ورحم الله الدكتور غازي القصيبي الذي حين تولى وزارة الصحة سارع حينئذ باستئجار فندق (صحارى قرب قاعدة الرياض الآن) وحوله إلى مستشفى لتوفير العلاج والتطبيب للمواطنين بشكل عاجل، في خطوة تكشف عن العقلية الإدارية التي لا تعترف بالبيروقراطية في جانبها المعطل، إنما اتخاذ القرار الإداري الكفيل بحل أي عقبة تعطل الإنجاز. وعند استحضار تلك الفترة يسهل الاستنتاج بأن الوضع الصحي لدينا من ناحية الخدمة والمرافق تراوح مكانها إن لم تتراجع، وبالأخص في مدن الأطراف كحائل والحدود الشمالية ومعظم المدن الصغيرة الأخرى.
الاستنتاج الذي يذهب إليه من يفكر ملياً في الوضع الصحي لدينا هو أن الخلل في الإدارة الوسطى أو الجهات التنفيذية، تلك التي لم تترجم الدعم الحكومي السخي إلى جودة الخدمة ورقيها. فضلاً عن الفكر الإداري أو البيرقراطية البليدة التي تسير العمل الصحي وسياسة إعادة اختراع العجلة، وإلا فإن التأمين على المواطنين يكلّف عشر ما ينفق على هذا القطاع، لو فتح المجال للاستثمار الأجنبي مرة أخرى ليعود إلى السوق السعودية بخبرته وسجله العريق، ولتوطين ونقل الخبرة إلى الكوادر السعودية الطبية والتي تثبت كل يوم أنها لا تقل عن مثيلاتها في العالم، وما الأطباء السعوديون الذين يقومون بالتدريب الطبي في مستشفيات كندا وأمريكا إلا مثال على ذلك. الرؤية (المملكة 2030) حملت في طياتها الأمل بالتحول الجذري في هذا المجال، إذ إن الحكومة مهما أوتيت من قوة اقتصادية وإمكانات لا تستطيع وحدها تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين والمقيمين، ولا بد للقطاع الخاص المحلي منه والأجنبي المستثمر من أن يكون له الدور المناصف أن لم نقل الأكبر، والقطاع الصحي أول تلك الخدمات، فيظل دور الحكومة الأكبر في التشريع والتنظيم وتهيئة البنية الأساسية للاستثمار الطبي الدولي خاصة لتقديم خدمات التأمين الطبي المعمول بها في معظم دول العالم وبخاصة تلك التي سبقتنا بمسافات فلكية في هذا المجال. أقول بالذات للاستثمار الأجنبي لأن له الأسبقية والخبرة كما قلت وعندها نعمل على الاستفادة منه وتوطين تلك الخبرة ومن ثم نحقق ما نتطلع إليه من تطور ونجاح. حينها سوف تكون قصص الكفاح للحصول على سرير أو خدمة طبية نوعية حديث ذكريات، فلنأمل ولنعمل معاً والله المستعان..
طابت أوقاتكم.