د. أحمد الفراج
لم يكن أي معلق سياسي، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها يتوقع أن تنجح حملة المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، فقد كان الجميع يتوقع أنها نزوة مغامر ثري، رأى أن السباق الرئاسي عبارة عن فرصة دعائية لأعماله التجارية، ولا أحد يعلم على وجه الدقة، عما إن كانت هذه هي الحقيقة، أو أن ترمب ترشح جديا للرئاسة، ولكن المؤكد أنه كسركل القواعد السياسية، وكل توقعات المحللين، وأصبح المرشح الجمهوري رسميا، بعد أن انسحب آخر المنافسين له، حاكم ولاية أوهايو، جون كيسك، قبل أيام، وكنت قد كتبت في مقالي الماضي أن كيسك سينسحب في أي لحظة، وهو ما حدث بالفعل، فما هي الأسباب التي جعلت الجمهوريين يتعلقون بهذه الشخصية المثيرة، ويسقطون من أجلها مرشحين جمهوريين بارزين، مثل جيب بوش، وكريس كريستي، وبوبي جندل، وغيرهم من الأسماء التي تحمل تاريخا سياسيا لا يستهان به؟.
أبرز الأسباب، في تقديري، هي عدم ثقة الشعب الأمريكي بالمؤسسة السياسية التقليدية، أو النخب السياسية، وهذه هي الفئة التي تدعمها لوبيات المصالح والإعلام، ويعتبر دونالد ترمب من خارج هذه المؤسسة، فهو رجل أعمال بارز، وليس له أي تاريخ سياسي على الإطلاق، وإضافة إلى ذلك، فإن شرائح واسعة من الشعب الأمريكي تعتقد بأن هناك مشكلة اقتصادية، وأن الأقدر على التعامل معها ليس سياسيا تقليديا، بل رجل أعمال ناجح، يملك خبرة واسعة، مثل ترمب، كما أن ترمب كان شعلة من النشاط، وقد ركز على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ببراعة فائقة، في مقابل اعتماد المرشحين الآخرين على وسائل الإعلام التقليدية، ومن المسلم به أن وسائل التواصل الاجتماعي هي الأقرب لقلوب الناس، كما أن هناك من يعتقد بأن شعبية ترمب كانت ردة فعل من المحافظين الجمهوريين على انتخاب رئيس أسود، وهو الأمر الذي ساهم في تعلق هذه الشريحة بأكثر المرشحين محافظة، أوإن شئت الدقة، بأكثر المرشحين عنصرية، وهو الأمر الذي يعبر عنه المحافظون بكل صراحة في وسائل التواصل الاجتماعي.
وبالمثل يمكن الحديث عن موقف ترمب الحاد من المهاجرين، وغني عن القول: إن موضوع المهاجرين بطرق غير قانونية أصبح أمرا مقلقا، خلال السنوات القليلة الماضية، وأيضا شعوركثير من الأمريكيين بأن أمريكا فقدت هيبتها، بسبب سياسات أوباما السلمية، وهي بحاجة لرئيس قوي، يعيد لها هيبتها المفقودة، ومع كل ذلك، فإن ترمب، وفي حال فاز بالرئاسة، سيتغير وتتغير لغته الحادة، ومواقفه المتطرفة، رغما عنه، لأن أمريكا دولة مؤسسات عريقة، لا يحكمها الرئيس لوحده، ولعل إمكانية فوز أمثال ترمب بالرئاسة هو السبب الذي جعل الآباء المؤسسين للولايات المتحدة يحرصون، عندما كتبوا الدستور، قبل أكثر من مائتي عام، على توزيع السلطة، بين قوى متعددة، خوفا من أن تتركز السلطة في يد شخص واحد من شاكلة ترمب، من الممكن أن يدمر هذه الإمبراطورية الجبارة، ومثلما أن ترمب صعق الجميع بفوزه بالترشح عن الحزب الجمهوري، فقد تحصل المعجزة، ويصعق الجميع بالفوز بالرئاسة، مثلما فعلها باراك أوباما في عام 2008، فلنواصل متابعة هذه الانتخابات المثيرة جداً.