محمد سليمان العنقري
إجراءات وقرارات تتخذ منذ سنوات قليلة لتدارك مشكلة استقدام العمالة المنزلية وتحديدا «العاملات» ومع ذلك لم يتم احتواء هذه المشكلة من قبل الجهة الرسمية المعنية الممثلة بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية فبالرغم من كثرة التراخيص التي تمت لمكاتب وشركات استقدام وتوقيع اتفاقيات مع دول كثيرة لكن المشكلة لم تحل بل باتت كأزمة تظهر حقيقتها التكاليف الباهظة التي ترتفع عاما بعد عام، فيكفي أن تعرف من التكلفة نتائج ما حققته وزارة العمل إلى الآن فعلى سبيل المثال صرحت الوزارة بشكل رسمي أن تكلفة استقدام العاملة من بنجلادش نحو 7 آلاف ريال بخلاف الرواتب والتكاليف الأخرى بينما الأسعار لدى المكاتب والشركات لنفس الجنسية تراوح حول 16 ألف ريال فمن أين ظهر هذا الفرق الشاسع بأكثر من 100 %؟ أما الجنسيات الأخرى كإندونيسيا وسيرلانكا فقد تجاوزت تكلفة الاستقدام أكثر من 20 ألف ريال بخلاف الراتب المرتفع وبقية الرسوم أي أن متوسط التكلفة فعليا لعقد مدته عامان للعاملة عند حساب كافة التكاليف تجاوز ألفي ريال ويصل الى قرابة 3500 ريال شهريا بالنظر لمختلف الجنسيات التي يطلبها السوق حتى الجنسيات الأفريقية من دول تعد جديدة على هذا السوق تكاليفها بنفس المعدلات رغم أن ما تعلنه الوزارة من تكاليف يقل كثيرا عما هو حاصل بالسوق فعلياً.
أما رواتب العاملات المخالفات بالداخل فهي أيضا بنفس المستويات بالرغم من أنها غير نظامية وهي ليست سرًا بل معلنة ومعروفة وترتفع بهذه الفترة مع قرب حلول شهر رمضان بل برزت ظاهرة هروب الخادمات قبل موسم رمضان الكريم حتى أصبح يطلق عليها «موسم هروب الخادمات» نظرا لوصول التكاليف لمستويات تتجاوز 3 إلى 4 آلاف ريال لشهر واحد كونه يختلف بحجم أعماله واحتياجات الأسر لعاملات منزليات عن أي شهر آخر بالسنة فأين العقوبات الرادعة القوية لضمان حقوق الأسرة عند هروب عاملة متعاقد معها حتى تحقق مكاسب أكبر إذ يفترض أن توضع غرامة لا تقل عن 100 ألف ريال على العاملة الهاربة سواء منها أو ممن يدير هذه الشبكات التي تشغلهم بعد هروبهم أو من الطرفين مجتمعين مع عقوبات إضافية حسب الضرورة فتغليظ العقوبات كفيل بقتل هذا السوق غير النظامي والخطير بسلبياته.
إن تشخيص المشكلة وتوضيح ما يحدث حقيقة بالسوق وما تواجهه الأسر يظهر ألا حلول حقيقية أدت لانهاء هذا الملف حتى الآن ويفترض أن تكون الوزارة على علم بتفاصيل أكثر ومعلومات أشمل عن المشكلة حتى تكون الحلول سريعة وعملية وتعيد التكاليف لمستواها الطبيعي فهي تقتص من متوسط الدخل لغالبية الأسر أكثر من 20 % وهي نسب كبيرة جدا إذا قورنت بواقع تكاليف السوق قبل أكثر من عشرين عامًا إذ لا يمكن أن ترتفع التكاليف إلى أربعة أضعافها حاليا عن تلك الفترة فهل ارتفعت بنفس المعدلات بدول مجاورة كدول الخليج التي هي أقل بكثير من المملكة بل حتى بدول عربية أخرى تستقدم الجنسيات نفسها التي في السوق السعودي مما يعني أن المشكلة لدينا هي استثناء ولا بد من مكاشفة وإفصاح عن أسبابها ومعالجة تقصي أي شبهة تلاعب أو خلل تسبب بارتفاع التكاليف وتعطيل خدمة تلبية طلبات الأسرة إذ تصل مدة انتظار استقدام عاملة من المكاتب لستة أشهر وأحيانًا عام كامل.
قد يرى البعض أن طلب عاملة منزلية ليس مهما أو أولوية ولكنه بالمقابل ليس بمجمله ترفًا فالكثير من طالبي هذه الخدمة لديهم ظروف تتطلب توفير عاملة منزلية كالموظفات من المتزوجات أو الأسر الكبيرة العدد أو أي حالات أخرى فمن المؤكد أن لا أحد يدفع تكاليف تصل إلى ربع دخله الشهري أو لو أخذناها بالأرقام بعيدًا عن النسب فهي تبدأ من ألفي ريال وهذه مبالغ ليست بسيطة لأنها التزام شهري ومع ارتفاع تكاليف الحياة فإن من يقبل بدفعها لا بد وأنه مضطر لكن ذلك يعد استنزافًا اقتصاديًا لدخل الأسرة من خلال استغلال حاجتها للعاملة والأهم أنه لا يقارن بما تدفعه نظيراتها بالدول المجاورة التي تقل بمقدار يصل إلى 50 %.
ملف استقدام العمالة المنزلية بات أزمة أكثر منه مشكلة والحلول لدى وزارة العمل التي يجب أن تطرقها من صميم جوهر العوائق والعقبات الحقيقية وأن تراعي الاستنزاف الجائر بدخل الأسرة من جراء عدم ضبط التكاليف بطرق مباشرة سواء بتنظيم العقود ومراقبة تنفيذها والتدخلات العملية التي تنهي المشكلة من جذورها ويمكن للأسرة أن تسهم بالحلول إذا ما رفضت دفع أي تكاليف تفوق ما حددته الوزارة وأن تبلغ عن مخالفات تقوم بها شركات أو مكاتب ترفع الأسعار وكذلك عدم التعامل مع العاملات غير النظاميات بالداخل حتى يكسد هذا السوق ويعود إلى رشده وطبيعته التي يجب أن يكون عليها.