سمر المقرن
لا يختلف شعوري وأنا أتابع حدثين نقلتهما الصحافة في نفس اليوم، الأول: هو عن «أم أويس» المرأة الداعشية المتورطة بأنشطة إرهابية.. والثاني: هو عن المبتعثة التي طلبت اللجوء السياسي في بريطانيا برفقة زوجها وطفليها كونهما قد غادرا إلى فكر الإلحاد. الرابط بين القصتين أن الفكر قد أوصلهم إلى عقوق الأهل والوطن، فالإنسان الذي يستطيع أن يتخلى عن والديه وأسرته بسبب فكر يعتنقه، فهذا من الطبيعي أن يكون عاقاً لوطنه لأنه يشعر بالانفصال عن هذا الوطن كما شعر به تجاه أسرته.
أؤمن بأن الإنسان القادر على أن يتخلى عن وطنه وأسرته، هو شخص بلا كرامة لأن أساسيات الكرامة تبدأ من الشعور بالقيمة، ومن هو قادر على أن يتخلى عن أهله ووطنه، بلا شك لن يجد ما يستمد منه قيمته. أضف إلى ذلك، أن من لديه القدرة على أن يبيع أهله ووطنه، هو باستطاعته بيع كل شيء -بلا استثناء- لأنه فقد كل القيّم الأساسية التي تُحفز الإنسان على التوازن في مشاعره وأخلاقياته، بل وأساسيات الحياة التي يعيش فيها.
كرامة الإنسان ليس بالضرورة أن يكون المساس بها، بل من قبل أشخاص أو جهات، بل لعل من يتعرّض لمثل هذه المواقف يكون إحساسه بالكرامة أقوى لأنه افتقدها رغماً عنه في موقف أو وضع معين، لكنها باقية وراسخة في القيّم الأساسية بشخصيته، بينما الأقوى والأصعب هو أن يفرط الشخص بكرامته بنفسه، فهي هنا تذهب ولا تعود، كحال العاق لأسرته ووطنه.
إن هذه القصص الموجعة التي تتكرر من حين لآخر، ونرى فيها أبناء من هذا الوطن، من ترابه.. من رائحته، قد تخلوّا تماماً عنه وعن أهاليهم لأجل أفكار لم يتحملوا نتيجتها وحدهم، بل هناك أمهات وآباء وأسر ووطن كلهم قد طالهم الوجع، فما أسرة الداعشية «أم أويس» أو أسرة المبتعثة وزوجها «الشمراني» إلا أمثلة لا تختلف عن بعضها، وإن خالفني الرأي من يقول: إن التشبيه بين الحالتين غير متكافئ، فأقول له إن كلاهما ضحية أفكار تغذّت على الجحود والنكران، ووجدت من يحتضنه ويمنح أصحابه البدائل عن أهم شيئين في حياة كل إنسان هما: الأسرة، والوطن.