فهد بن أحمد الصالح
في كل المجتمعات الإنسانية وفي مقدمتها مجتمعنا السعودي تبقى قيمة المواطن محفوظة بعد تقاعده، ويحفظ ولا شك له ما قدم في بناء مجتمعه ووطنه، وتحفظ في ذلك كرامته، ويوقر ويحترم ويقدم، حتى وإن قلنا إن في المجتمع السعودي هذا خلقاً بارزاً لأن تعاليمه إسلامية وشعائر دينه تدفعنا إلى تحقيقها وإلى جعلها خلقاً للمجتمع وثقافة له، فالرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه يقول: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ»، ثم إن الدولة مشكورة تعمل في وقت سبق على تحقيق العديد من المتطلبات والاحتياجات للمتقاعدين، وشُكلت لذلك لجنة وزارية أُنيطت المسؤولية بها لسمو ولي العهد ووزير الداخلية ونترقب أن ترى النور قريباً خصوصاً فيما يتعلق بالحد الأدنى للراتب والعلاوة السنوية المناسب لمقابلة تراكمات التضخم وغلاء الأسعار والعديد من الاحتياجات التي ستتحقق في رؤية المستقبل لهذا الوطن الكريم، ولكن المتقاعد سواء المستغني أو المحتاج يرغب في الاطمئنان على ما يخصه من هذه الرؤية التي أخذتنا إلى الثقة أن المستقبل سيكون في عمومه مشرقاً ومحققاً للعديد من تطلعات الشباب والموظفين والمتقاعدين، وسوف أقدم قراءة مختصرة لما يلامس حاجة المتقاعد في رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030، فأنا متقاعد ويهمني ما يهم المتقاعدين بجميع فئاتهم وأجناسهم ويشرفني بالإنابة عنهم أن أقول عن الرؤية:
ما أجمل أن تصحو على رؤية وطن طموح لم يتجاوز الأصالة والمحافظة على الثوابت، ويصل الاهتمام منه لكل فئات المجتمع ولا يلغي دور أي قادر على العطاء، وطن في رؤيته يمزج بين الطموح والخبرة والتجديد والنظام والتحول والالتزام، وطن برجاله مجتمعين يقرؤون المستقبل بعين فاحصة وخبرات متراكمة ويحيطون بكل تفاصيله ومقدراته ومكنوناته وكل قواه وثرواته البشرية والطبيعية والمكتسبة، وطن قال قادته عند إطلاق الرؤية التي لا نقول إنها الحلم بل إنها رؤية العلم (لقد سمينا هذه الرؤية برؤية المملكة العربية السعوديّة 2030 لكننا لن ننتظر حتى ذلك الحين، بل سنبدأ فوراً في تنفيذ كل ما ألزمنا أنفسنا به، ومعكم وبكم ستكون المملكة العربية السعودية دولة كبرى نفخر بها جميعاً).. وطن يستحق أن نفاخر به لأنه فاخر بنا كمواطنين وفاخر بالأجداد في التأسيس وبالآباء في البناء والحضارة وبالأبناء والأحفاد في مستقبله، وطن صدق معنا وصدقنا معه، وطن نقدمه بكل صدق على المال والولد لأنه يضم الأهل والأقارب ويحتضن المقدسات والأصحاب, وطن به المولد وعليه الحياة وفيه الممات ولأجيالنا سيبقى العمر الأجمل، وطن من أسسه من أهله بات في الثرى ومن يفرح به الآن من أبنائهم وبناتهم تظللهم الثريا، وطن يحتل في القلب أجزاءه الأربعة ومن الروح نبضها وفي العين غيرتها ومنتهى نظرها وفي اليد القوة وفي القدم الخطوة لنهاية الحياة ويوم الممات.
هذا الوطن الكريم والرؤية الطموحة تستحق من المتقاعدين التبني والدفع بها للتحقيق لأنها استفتحت الغد الأجمل بقول: (سنفتح باباً واسعاً نحو المستقبل، ومن هذه الساعة سنبدأ العمل فوراً من أجل الغد، ومن أجلكم أيه الإخوة والأخوات ومن أجل أبنائكم وأجيالنا القادمة، وأن ما نطمح إليه ليس تعويض النقص في المداخيل فقط، أو المحافظة على المكتسبات والمنجزات، ولكن طموحنا أن نبني وطناً أكثر ازدهاراً يجد فيه كل مواطن ما يتمناه، فمستقبل وطننا الذي نبنيه معاً لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة دول العالم، بالتعليم والتأهيل، وبالفرص التي تتاح للجميع، والخدمات المتطورة، في التوظيف والرعاية الصحيّة والسكن والترفيه) وهذا دون شك يضع المتقاعد والمتقاعدة في عين الرعاية من الدولة لأنهم سيستفيدون من ذلك كله، كما أن المتقاعد الكريم يقدر الالتزام الذي جاء في الخطة ذكره: (إننا نلتزم أمامكم أن نكون من أفضل دول العالم في الأداء الحكومي الفعّال لخدمة المواطنين، ومعاً سنكمل بناء بلادنا لتكون كما نتمناها جميعًا مزدهرة قوية تقوم على سواعد أبنائها وبناتها وتستفيد من مقدراتها، دون أن نرتهن إلى قيمة سلعة أو حراك أسواق خارجية، فنحن نملك كل العوامل التي تمكننا من تحقيق أهدافنا معاً، ولا عذر لأحد منا في أن نبقى في مكاننا، أو أن نتراجع لا قدر الله).. وختام ما جاء في افتتاحية هذه الرؤية التي لا نمل من مراجعة محاورها لأن المستقبل لا شك بيد الله ولكننا نقرأه اليوم بوضوح تام (أن رؤيتنا لبلادنا التي نريدها، دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، دستورها الإسلام ومنهجها الوسطية، تتقبل الآخر. سنرحب بالكفاءات من كل مكان، وسيلقى كل احترام من جاء ليشاركنا البناء والنجاح).
ولعل الصورة تكون أوضح للمتقاعد الكريم إذا ذكرنا بعض الفرص التي سيجد نفسه فيها في ظل الاهتمام بالجوانب الأساسية الأخرى التي وردت تفصيلاً في الرؤية وبوضوح تام والفرص المذكورة هي:
1 - الاهتمام بالجوانب الترفيهية والثقافية لأن النقص واضح جداً والحاجة إلى إشباع تلك الجوانب لدى المتقاعد وغيره أمر يملأ فراغه بما ينفعه ثقافياً وبدنياً ونفسياً ويحسسه بأهميته وقيمته داخل مجتمعه فقد ساهم بصدق بالبناء والازدهار.
2 - سيتم العمل على اكتمال ما يخص المتقاعد والموظف في صحتهم البدنية والنفسية والاجتماعية وجعلهم ينعمون بنمط حياة صحية ووسط محيط يتيح لهم بيئة إيجابية جاذبة وليست منفرة من خلال إطلاق العديد من الأندية المتخصصة.
3 - تطوير دور الصناديق الحكومية من أجل إطلاق مراكز بدنية وترفيهية ليتمكن المواطن والمقيم من استثمار ما لديه من طاقات ومواهب مع دعم الموهوبين من الكتّاب والمهنيين والفنيين وفق عمل مؤسسي تضمن فيه الاستدامة المقدمة.
4 - تهيئة الطرقات والميادين لاستخدامات الإنسان وتوفير ما يحتاجه فيها كي تكون سهلة وميسرة مع الأخذ في الاعتبار كافة الأعمار والاحتياجات، وهذا يدفع بالمزيد نحو أنسنة المدن والطرقات واستكمال ما كان مخططاً له سابقاً في ذلك.
5 - العمل على ضمان البيئة الخارجية لتكون صحية والقضاء قدر الإمكان على التلوث الذي لا يمكن المتقاعد وغيره من الاستمتاع بوطنه وكذلك مدينته وحيه وربما يؤثر ذلك على استمتاعه بمنزله وفق أعلى المستويات المجربة سابقاً.
6 - من خلال تمكين المواطن من الاستفادة مما سبق فإن تلك الأنشطة ستدعم لكي يرتفع إنفاق المواطن عليها من 3% وحتى 6% ليحقق منفعته وكذلك زيارة الممارسين الرياضيين طالما أن البيئة محفزة إلى ذلك من 13% وحتى 40%.
7 - مساعدة المواطن على تعزيز مبادئ الرعاية الاجتماعية وذلك من أجل بناء مجتمع قوي ومتماسك ومنتج مع تعزيز دور الأسرة في قيامها بمسؤولياتها وتوفير التعليم القادر على بناء شخصية الأجيال والابتعاد عن المنهج التلقيني السابق.
8 - توفير العناية الصحية للمواطنين وتطوير المنظومة الصحية خصوصاً والمملكة تحتضن أفضل الكفاءات الطبية الوطنية والوافدة مما يسهل العمل على جودة الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية، وهذا قد يغني عن الضمان الصحي أو يحققه.
9 - زيادة الاستثمار في التعليم بأنواعه والتدريب بأصنافه، وهذا سيجعل الاستفادة من أصحاب الخبرات المتقاعدة متاحاً سواء للقطاع العام كجانب استشاري أو للقطاع الخاص في إعادة تدويرها وإعادة الانطلاقة من جديد للعطاء الأمثل.
10 - ومن أهم الجوانب التي سيستفيد من المتقاعد هو توجه الخطة لدعم المنشآت الناشئة والصغيرة والمتوسطة مع ضمان النية التحتية اللازمة لانطلاقتها خصوصاً أن القطاع البنكي منفتح على قرار برامج لتمويل المتقاعدين كأفراد.
11 - الاهتمام بما يخص المرأة المتقاعدة سواء في إعادة تدوير خبرتها لتساهم في الجوانب التي تتقنها أو دعم برامج الأسر المنتجة عن طريق الصناديق الحكومية المتنوعة مع رفع نسبة مشاركتها في سوق العمل من 22% حتى 30% .
12 - من أجل أن ينعم المواطن المتقاعد بخدمات حكومية راقية وسريعة وذات جودة عالية فإن الرؤية ستعمل على تخصيص الكثير من الخدمات الحكومية وفك أغلال البيروقراطية عنها لخدمة المواطن المتقاعد أو العامل، مع السعي الحثيث لتطوير الحكومة الإلكترونية في جميع التعاملات مما يزيل العبء في المراجعة والمتابعة خصوصاً أن هناك بيئة مهيأة للانطلاقة وبجودة عالية، كما أن هناك منجزات في الحكومة الإلكترونية تستحق أن تكون أرضية صلبة نواكبها.
13 - زيادة درجة الاطمئنان عند المواطن على مستقبله ومستقبل الأجيال وعلى مثالية الإنفاق ورفع كفاءته والامتثال لقوله سبحانه وتعالي: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}، ورفع درجة الالتزام الرسمي والشعبي بالمسؤولية، وهذا دون شك له تأثير مباشر على رفع درجة المواطنة مع الاهتمام برفع درجة الرقيب الذاتي التي ستجعلني نرفع قيمة موجودات هذا الوطن الكريم الذي يشرفنا جميعاً عند أنفسنا وعند الآخرين وهو حق وواجب ملزم.
14 - ومن الأمور الرئيسة في الرؤية وهي التي تعتمد بشكل كبير على المتقاعدين والمتقاعدات وهي تعظيم المنفعة والأثر الاجتماعي في القطاع الثالث غير الربحي الذي لم تتجاوز مساهمته في الناتج المحلي بأكثر من 3% في حين أنه عالمياً تجاوز 6% وسيساهم في هذه النقلة القطاع الأهلي بعد إقرار نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية مؤخراً وكذلك هيئة الأوقاف العامة، وهذا سيساهم في رفع مدخرات الأسر المختلفة بالعديد من الصور التي تطرقت لها الرؤية الشاملة.
15 - الكثير من المبشرات ستظهر في الفترة القليلة القادمة والتي تحدث عنها سمو ولي ولي العهد ورئيس مجلس الاقتصاد والتنمية للإعلام والكثير من رجال الاقتصاد والتنمية وسنباركها جميعاً ونفرح بها لعموم نفعها حاضراً ومستقبلاً.
ختاماً، لقد ضمنت الرؤية في ختامها كيفية تحقيقها ولن يكون هناك تراجع عن أن تكون على أرض الواقع، ولا بد أن يشترك المواطنون بكافة تفاصيلهم وأجناسهم في تحقيقها لأنها وإن انطلقت اليوم بنجاح فإن فوائده سنجنيها اليوم وغداً بنجاح أكبر لأننا جميعاً انطلقنا لتحقيق رؤية وطننا الكريم الذي مثلما كنا نقر ونعيش ماضيه الكريم وحاضره المزدهر فإننا سنعيش مستقبله الأجمل والأفضل وسنشعر بالولاء لكل إنجاز فيه لأننا أصبحنا شركاء في تنميته وازدهاره، وما سيتحقق لشباب الغد فهو سيتحقق لرجال الأمس وسواعد اليوم ولن يكون هذا الوطن الكريم إلا مُرضياً من أهله، ومحققاً معهم وطنية تتوارثها الأجيال ويتبادلونها بالمحبة مثلما كانت من الأب للابن والحفيد وسيكمل سلسلة البناء لوطن الآباء.