رقية الهويريني
لم يثنِ الله عز وجل على الترف أبداً بل جاء في موضع الذم! وذكر القرآن أن المترفين كانوا أول من كفروا بدعوات الأنبياء والمرسلين: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ .
وأشد ما يعاقب به الله المترفين هو الاستدراج، وحينئذ تنقلب النعمة إلى نقمة بسبب عدم تأدية شكرها، وهذه أصعب عقوبة إلهية حين يسبغ عليهم نعمته ثم يمنعهم شكرها، وقد يغدق الله نعمته على عباده برغم اقترافهم الذنوب وهو ما يصيبهم بالغرور والبطر، فكلما ارتكبوا ذنباً استدرجهم بنعمة فيزدادون شراً وغطرسة.
إن الاغترار بالمال والجاه والنفوذ والصحة والقوة داعية للطغيان وللترف بشتى صنوفه وأشكاله وهو من أسباب المقت؛ برغم أنها يفترض أن تكون من عوامل الشكر. ويخلط الكثير بين مفهوم الترف وبين امتلاك الغالي من الملبس والمأكل والمركب والمسكن، وهو ما يقع فيه المرءُ بالحرج حين يخشى التلذذَ بالطيبات والتوسعَ بالمباحات وشراءَ النوعيات الجيدة وامتلاكها، والإنفاق على أسرته وأهله بالمعقول. بينما المقصود بالترف البطر والتكبر والاستعلاء على الناس أو الإغراق في التنعُّم، والإفراط في الرفاهية، ونعومة العيش.
والترف يهدد المجتمعات الإنسانية، ويجعل مستقبلها غامضاً ومخيفاً، لأن الأقلية المترفة تعتدي بترفها على حقوق الأكثرية المحتاجة؛ وتصعد على أكتافها، ولا تشعر بحرمانها، لذا فهو أحد أسباب الانْحلال الاجتماعي، وهلاك الدول وزوالها، وانتشار الفسوق ودمار الشعوب. يقول تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا .
كما أنه يفسد الأخلاق، ويعلي نوازع الأنانية؛ لأنه يشغل الفرد بشهواتِ وقتية تافهة، ويلهيه عن كرم النفس، ويقتل فيه معاني الشهامة والمروءة والسمو، ويحيله عبداً لحياة الدعة والرفاهية والنعومة.
ويخشى الحكيم من تبدل النعم على المترفين الذين يعمدون لازدرائها، وقلة شكر الله عليها، وتغريهم كثرتها بابتذالِها وبذلها في غير مواضعها، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صِحافها).
ونتائج الترف على المترفين ومَنْ حولهم وخيمة، وهو ما يتطلب الحيلولة دون ظهور أشكاله ومحاربة المترفين ورفض تصرفاتهم وعدم تشجيعهم أو مجاراتهم. والتوقف عن نشر حفلاتهم وتداولها وخنق ضجيج ترفهم المزعج، لأنه يؤذي النفوس السوية!