إبراهيم عبدالله العمار
نكمل قصة المستكشف نيكولاس كلاب الذي سافر لجنوب الجزيرة العربية وتحديداً إلى قرية شصر في عمان في طرف الربع الخالي بحثاً عن إرم مدينة عاد المفقودة، ورأينا الأسبوع الماضي البوابات الكبيرة التي اكتشفوها في آثار عين حمران، وهي مدينة ساحلية يظنون أن قوم عاد بنوها قريباً من إرَم التي يعتقدون أنها هي شصر هذه، وأيضاً وجدوا بوابة مشابهة في شصر نفسها، وهي بوابة صخرية كبيرة تتمحور حول نفسها، ونصل اليوم إلى آخر موسم استكشاف وكان عام 1995م، وهذا الموسم تترأسه شجرة.
يقول نيكولاس: «كرّسنا هذا الموسم لعملية بحث واسعة النطاق باحثين عن آثار قوم عاد في جبال ظفار على سواحل البحر العربي. في الطريق من الساحل إلى جبال ظفار هناك شجرة زيتون وحيدة». لكن لماذا خصّص نيكولاس هذه الشجرة بالذكر؟ فريدة هذه الشجرة لأن كل ما يحيط بها أحجار كلسية متكسرة. عند رأس الشارع الصغير في شصر إذا انعطفتَ يساراً يقود هذا لوادٍ صحراوي لا زالت فيه بقية من أشجار البخور واللبان التي تاجر بها قوم عاد. مشى العلماء عبر هذا الشارع عشرات المرات وتوقفوا لمعاينة وتصوير الأشجار. رأوا رجال القبائل يقطعون أغصانها، ويأخذون بلوران اللبان، لكن في هذا الصيف الأخير لفت شيء ما انتباه عالم الآثار المرافق لهم، وهي صخرة، مقطوعة إلى 3 قطع. كانت عموداً صخرياً ساقطاً، طوله 3 أمتار ، وكان يبدو أن له طبيعة جنازية، لأنه يُعلِّم مدفناً. وبينما عالم الآثار يقيس ويصوّر هذا العمود وجد أحد طلابه على الجانب الآخر من الشارع بعض الأطلال لكن لم تكن أطلالاً عادية، كانت موقعاً ضخماً من العصر البرونزي.
العصر البرونزي كان الشيء الناقص الوحيد من سلسلة آثار إرَم. وجدوا آثاراً لكل الأزمنة ما عدا ذاك العصر. العصر البرونزي هنا كان من عام 2350 قبل الميلاد إلى 1200 ق م. وجدوا أول قطعة تعود لهذا العصر وهي خطاف برونزي لصيد السمك. كانت هذه القطعة على مكان التقاء 3 تيارات مائية، وهذه المنطقة هي الجزء الناقص من قصة قوم عاد، ويحكي عالم الآثار قصة قوم عاد كما يرى: في 2500 ق م توقف المطر الذي طالما كان نعمة لجنوب الجزيرة، وبعد أن توقف بدأت فترة القحط التي تستمر لليوم. المنطقة الكبيرة التي انتعشت فيها أشجار البخور تقلصت إلى نطاقها الحالي في جبال ظفار. غالبية سكان المنطقة هجروا المكان لغيره، لكن قلة قليلة منهم في هذا المكان معدوم الماء في الصحراء القاسية ذهبوا إلى آخر نبعٍ جارٍ هناك والذي تدفق من كهف في إرم (شصر)، هؤلاء صاروا قوم عاد، وهذا التصحر والجفاف كان لصالحهم وأغناهم كثيراً، وصارت مستعمرتهم الصغيرة المكان الوحيد الذي يوجد فيه الماء، ومحطة استراحة للمسافرين، للقوافل التي تحمل البخور خلال الربع الخالي، والتي ضربوا عليها الضرائب والتي كان التجار يضطرون أن يدفعوها بسبب احتياجهم للماء هناك (وربما أيضاً بسبب جبروت عاد وقوتها).
وهكذا نصل لآخر مشهد لعملية استكشاف آثار قوم عاد، والعثور على إرَم المفقودة، لكن بقي سؤال: هل هذه هي إرَم بالتأكيد؟ هل انتهى البحث؟ في الأسبوع القادم سنرى نقاطاً عن مدى صحة هذه الفرضية، وفيما إذا كانت شصر هي إرَم ذات العماد.