محمد سليمان العنقري
نتفق جميعاً على حق أي مقرض بضرورة ضمان سداد أمواله من المقترضين بانتظام، وقد بدأ صندوق التنمية العقارية في تطبيق المعايير الأهلية والضوابط التي اعتمدها مجلس إدارة الصندوق قبل أيام على المقترضين الذين صدرت لهم الموافقات والتي تضمنت شروطاً متعددة قُسم فيها المقترضون لشرائح بحسب الدخل والوضع الائتماني والحالة الاجتماعية، مما يُمثّل تغييراً جذرياً بدور الصندوق عن السابق، فهل التحول بطريقة الإقراض الجديدة سيعني تقلص دور الصندوق كأكبر ممول بالسوق العقارية للأفراد؟.
فالشروط التي أُقرت على المقترضين ممن صدرت لهم موافقات لا تبدو أنها تسير بالاتجاه الذي يسهل لهم الحصول على القرض الذي يُعد الخيار الأفضل بما أنه لا يشتمل على أي تكاليف تضاف عليه، فدور الصندوق اجتماعي واقتصادي بحكم أنه حكومي ويهدف لتيسير تملك السكن منذ تأسيسه قبل أربعة عقود.
فالموظفون أصبحوا مطالبين بتقديم إثباتات عن دخلهم وسجلهم الائتماني من سمة وأيضاً كشف حساب بنكي لآخر ثلاثة أشهر مما يعني أنه لو ظهر بكشف الحساب أنه لا يتبقى من راتبه بنهاية كل شهر أي ادخار فقد يرفض طلبه، مع العلم أن جزءاً من دخله يذهب لسداد الإيجار للمسكن الذي يؤويه كمثال يفهم من طلب كشف الحساب على الأقل لأنه لم توضح أسباب مثل هذا الشرط، بينما غير الموظف فإن كشف الحساب البنكي المطلوب فهو لمدة عام كامل مع شروط أخرى تثبت أن لديه دخلاً بالإضافة إلى اشتراطات عديدة بما يزيد من البيروقراطية بتجميع الأوراق المطلوبة لإكمال ملف المقترض.
لكن الملفت هو ما تضمنته الشروط لشريحتين الأولى النساء والأيتام حيث طُلب كفيل لهم يجب أن يحضر نفس اشتراطات الشرائح الأخرى، وهذا يعني أولاً صعوبة حصولهم على كفيل بما قد يبدد حلمهم بالحصول على قرض يساعدهم على تملُّك سكن، والأمر الآخر هو الاشتراطات للكفيل التي قد تصعّب من إيجاد المناسب لكي يتقدم بكفالته، ولكن الأغرب في هذا الشرط من سيقبل أن يبقى كافلاً لمدة 25 سنة لهذا القرض مع احتمالات عديدة يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار كالوفاة للكفيل أو تعثره عن سداد قروضه الخاصة به مما سيصعب عليه أن يسدد لمن توكل بكفالته من النساء أو الأيتام في حال تعثرهم عن السداد لأي سبب من الأسباب باعتبار مدة الكفالة طويلة جداً تصل «لربع قرن»، وحتى لو افترضنا أي تغيير في حال وصول أحد الأيتام لسنّ قانون يتيح له إلغاء الكفالة وتحمل السداد، فإن ذلك لن يكون قاعدة لأن الحالات الاجتماعية مختلفة ومتشعبة مما سيجعل شرط الكفيل جداراً صلباً يمنع انتفاع هذه الشريحة من القرض، أما النساء الموظفات فلا يفترض إلزامهن بهذا الشرط، بل معاملتهن كالشرائح الأخرى باعتبار أن لهن دخلاً ومسؤولات عن التزاماتهن فلا حاجة لشروط مكبلة تمنعهن من امتلاك مسكن وفق أوضاعهم الاجتماعية.
أما الشريحة التي يقل دخلها عن خمسة آلاف من الموظفين فقد وضعت لجنة بالصندوق لدراسة طلباتهم وهذا شرط غريب فقد تصبح المعايير لقبول أي طلب لهم أو رفضه وفق رؤية اللجنة التي قد لا تنظر لجوانب اجتماعية لهذه الشريحة بل تجارية كما يؤكد هذا التحديد لأسلوب التعامل معهم أن أسعار المساكن مرتفعة والمنتجات محدودة بما لا يسمح لمن هم دون هذا المستوى من الدخل بتملك سكن، ثم أين دور برامج وزارة الإسكان بدعم هذه الشريحة من منتجاتها؟!.
أما الشرط الغريب فهو يتعلق بالمساكن التي يتم بناؤها من المقترض بأن لا تقل تكلفة المتر المربع عن 1500 ريال فإذا كانت التكلفة تشمل قيمة الأرض فهي كفيلة بتجاوز هذا الرقم، ولكن إذا كانت محددة بتكلفة الإنشاء فهذا أيضاً إجحاف وتعقيد فقد يتمكن المقترض من خفض التكلفة خصوصاً مع تراجع أسعار مواد البناء بأكثر من 30% وكذلك أجور العمالة بعد التراجع بالإنفاق الحكومي نظراً للتوسع السابق بطرح الكثير من المشاريع الحكومية التي غطت أغلب الاحتياجات، كما أن تحديد هذا الرقم يتنافى مع مبادئ باتت مسلَّمات حالياً بتطور القطاع الهندسي الذي طوّر من التصاميم غير المكلفة، وكذلك حسابات مواد البناء التي أصبحت تحدد الاحتياج الفعلي الكافي لبناء المسكن دون مبالغات أو عشوائية بتقديرها، فالجودة مطلوبة لكن قد تتحقق بتكاليف أقل.
الصندوق العقاري له دور كبير منذ تأسيسه برفع نسب تملُّك السكن، وقد أكد على لسان مسؤوليه دائماً أنه لا يمنع أي فرد من حقه بالتقديم على القرض، وهو ليس بالأمر المهم إذا نظرنا للشروط الحالية الجديدة التي تضع الكثير من البيروقراطية والتعقيدات والاشتراطات أمام من تصدر لهم موافقة القرض، مما يعني استبعاده وفق آليات وضعها الصندوق دون أن يكون لها أي مناقشات واسعة كحال أي أنظمة تصدرها الجهات الرسمية وتطرحها لأخذ الرأي من أطراف عديدة لكي تبين مدى تأثيرها على دور الصندوق الاجتماعي والاقتصادي الرئيس بسوق التمويل العقاري والذي يبدو أنه يتجه للنهج التجاري تدريجياً، وقد يوضح برنامج الادخار السكني الذي رشحت بعض معالمه أن الصندوق سيتقلص دوره كثيراً لصالح القطاع الخاص التمويلي ووفق الأوضاع الحالية لأسعار العقار المرتفعة، فإن التكاليف ستكون مرهقة على الأفراد والأسر لأن التمويل من القطاع الخاص مكلف على دخل الأسر كثيراً، فلماذا تضاعف الاشتراطات أكثر من المطلوب إذا كان الأصل العقاري ضامناً لحق الصندوق وكافياً لتغطية أمواله التي قدمها للمستفيد!.