أحمد محمد الطويان
نظرياً نحن أكثر شعوب الأرض تحدثاً عن الوفاء وأهميته باعتباره خصلة حميدة، وسلوكاً إنسانياً محبباً، ولكن معظم ممارساتنا لا تعكس هذا التنظير، نعرف جيداً أن موروثنا الديني والثقافي يحمل كل القيم الإيجابية والرفيعة، ومن أهمها الوفاء ولكننا نغض الطرف عند التطبيق العملي لهذه القيم، لأن الحياة بمادياتها أخذتنا بعيداً عن المثالية التي نسرف بالتحدث عنها، وقربتنا هذه الحياة متسارعة الأحداث من مصالحنا أكثر من أي وقت مضى.. يبقى الود ما بقي المنصب، ويستمر الوصل ما استمرت المصلحة، وينتهي كل شيء مع نقل المسؤول إلى منصب بعيد عن مصالحنا أو بإعفائه!
بالتأكيد ليس كل الناس بلا وفاء، والتعميم صفة الجاهل، ولكن عددا ليس قليل منا يتعاملون مع المنصب وليس مع الإنسان، ولكنهم يؤنسنون التعامل المادي مع الكرسي ليحظون بمكانة أو ليحققون مكاسب.
هناك 3 حوادث لم يتعلم منها المنافقون، وزير أعفي وعاد بعد ثلاثة أشهر إلى وزارته، ورئيس مؤسسة حكومية عليا بمرتبة وزير أعفي وعاد، وثالث أدار مؤسسة علمية وعاد إليها أعلى مرتبة وأقوى بالصلاحيات، وهذه دروس لأولئك الذين يربطون مصالحهم بالكراسي، وتنكشف حقيقتهم عندما يغادر المسؤول الكرسي، وينافقون المسؤول الجديد بأسلوب فيه انتقاص من سلفه.
يعتقد «المنافق» أن المسؤولين مغفلين، وأن الخلف لن يكتشف شخصية المنافق الحربائية في انتقاصه من السلف، وكيف سيثق بمن يظهر كذبه علناً ويستخف بعقول من يتعامل معهم، هنا بالطبع أتحدث عن المنافقين من فئة الموظفين، والأمثلة والشواهد كثيرة ويراها أغلبنا في الدوائر الحكومية، وخصوصاً مع التغييرات الكثيرة والمتلاحقة في المناصب القيادية.
أما المنافقين من عامة الناس البعيدين عن العمل الحكومي، تجدهم أكثر التصاقاً بمن حوله الأضواء، وبمجرد خروج المسؤول من دائرة الضوء يبتعد عنه كل المنافقين. كنت في حفل زواج قبل أسبوع ودخل وزير أعفي من منصبه، لم أجد حوله سوى خمسة أشخاص، وقبل 4 أشهر تقريباً كنت في زواج وكان ذات الوزير حاضراً بذات البشاشة التي تزول مع زوال المنصب، وكان لا يستطيع السير من كثرة المحيطين به والراغبين في مصافحته وتقبل وجنتيه وأنفه ورأسه!
لا غرابة،، ولكن علينا أن نعترف بمشكلتنا وأن بيننا عددا ليس بقليل أصبح يمارس النفاق بأسلوب ممجوج يتنافى مع أخلاقياتنا، ولنبتعد عن التشدق بالمثاليات، وعلينا أن نحترم ونقدر ونبجل كل من حمل أمانة وثقة الخدمة العامة خصوصاً من وصلوا إلى مراتب عليا.. احترامنا للثقة يجب أن يبقى لأن كل من نالها جدير بها، ولكل زمن رجاله القادرين على العطاء والبذل وهذا لا ينتقص من السابقين وعطاءاتهم.
على المسؤول الحالي أن يدرك بأن ليس كل ما يقال له من مدائح ومعلقات صفات حقيقية، فلا يغتر ولا يتكبر، وعلى الآخرين احترام ذكاء المسؤول، وعلى المنافقين احترام أنفسهم وعدم النزول إلى الدرك الأسفل في الدنيا على الأقل.. أسأل الله أن يتوب عليهم!