فهد الحوشاني
في كل عام يكثر الحديث عن المسلسلات الرمضانية يتناولها بعض الدعاة فيدعون إلى مقاطعتها، ويتناولها الجمهور والناقدون لها فنياً ليظهروا ما اعترى كثيرٌ منها من هزال وابتذال فني يقف خلفه ممثلون ومنتجون يفتقدون الحس الفني والمسؤولية الاجتماعية تجاه ما يطرحون! مؤخراً بعض الدعاة الذين يحبون إطلاق المبادرات حتى وإن كانت صعبة التنفيذ، وروَّج لها أهل (الواتس أب) أطلقوا دعوات لمقاطعة المسلسلات في شهر رمضان المبارك، وقد وصلتني حتى من أشخاص يدمنون وسيدمنون مشاهدة المسلسلات!!
الإنسان كائن اجتماعي يحب أن يستمتع ويضحك ويبكي على مشكلاته وقضاياه أو ما يشبهها في حياة الآخرين، أحياناً يقرأها في قصص أو روايات أو يشاهدها عبر الأفلام أو المسلسلات!.. ولهذا فإن حملة بهذا المعنى لا تختلف عما كان يقوم به بعض الآباء في وقت مضى من تكسير التلفزيون أو منعه من دخول البيت وفي النهاية أصبح الأب يشاهد التلفزيون مع أسرته بعد أن اقتنع أن التلفزيون يمكن أن يكون مصدراً للفائدة والمتعة! إن اجتماع العائلة على مشاهدة مسلسل اجتماعي هادف يرتقي فيه الحوار والصورة فتكون الكلمة والصورة منسجمة مع القيم والآداب العامة، لهو مطلب اجتماعي ونفسي للفرد ولكثير من العائلات، ومحفز على الاجتماع الأسري فالدعوة التي تأتي مجملة دون تفصيل لن يستجيب لها إلا فئة قليلة، لكن لو كانت الدعوة تفرق بين مسلسل يهدم الأخلاق وبين مسلسل يبنيها، بين مسلسل اجتماعي يرسم البسمة ويجمع العائلة، وبين مسلسل يستحي أب العائلة أن يشاهده مع أفراد أسرته لما فيه من مشاهد فاضحة وقصص متجاوزه تركز على الخيانات والفاحش من القول والفعل، فإن الدعوة سيكون لها صدى! إنها دعوات نبيلة المقاصد جاءت لتعظيم هذا الشهر العظيم والفوز بروحانيته وصيامه وقيامه وقراءة القرآن فيه، وهذا أمر يحسن ذكره والدعوة إليه! فبلا شك أن رمضان أخذت منه الحياة المدنية بشكل عام بصخبها ومادياتها ما أخذت، ولكن ليس الحل بالقول للناس توقفوا عن مشاهدة المسلسلات!.. فإذا أردت أن تُطاع فاطلب المستطاع!.. ولكن من المهم الدعوة لمشاهدة ما هو مفيد وجيد سواء في رمضان أو غيره!.. فليست كل المسلسلات سيئة، ومن الإنصاف أن يكون المعيار هو المحتوى وليس المنع بالكامل، فهذه دعوات لن يكتب لها النجاح!.. فليست كل المقالات أو البرامج أو الكتب والقصص والمسرحيات والأفلام سيئة، لكن هناك جيداً وسيئاً، وهناك للأسف مسلسلات محلية تتجرأ على الأخلاق والقيم في كل عام بعضها يصدمنا لأن غالبية الكتّاب ليسوا مؤهلين للكتابة، فهم (صنايعية) يتقنون (تكنيك) الكتابة، لكن ليس لديهم رؤية وليسواً مثقفين ولا يحملون مسؤولية القلم، يدفعهم إلى ذلك عددٌ من المنتجين الذين ترسَّخت لديهم فكرة التجاوز والتصادم مع قيم المجتمع حتى يصل الأمر لتصفية حسابات بينهم وبين آخرين!!.. والضحية المشاهد ووقته وأعصابه! هناك الكثير من الغث والمشاهد الصادمة حتى أصبحنا ننتقل مع كاميرات بعض المسلسلات إلى الكباريهات ومشاهد القص ونحن على سفرة الإفطار!! والكثير مما لا يتناسب مع روحانية الشهر الكريم ولا مع غيره!.. لكن توجيه الناس إلى رفض المتجاوز وقبول الترفيه البريء هو بمثابة الاعتدال الذي سيجعل لمثل هذه الدعوات قبولاً لدى الجمهور، لقد قاطع الجمهور من تلقاء نفسه الكثير من المسلسلات لما فيها من ابتذال وسطحية ورداءة الصنعة حواراً وإنتاجاً، بعد أن أصبحت الرداءة والركاكة ماركة مسجلة لبعض الممثلين المنتجين والذين يصرون على أن يهلوا على الجمهور مع هلال الشهر، والجمهور اتخذ قراره المسبق بعدم مشاهدتهم!!