جاسر عبدالعزيز الجاسر
ما إن أنهيت قراءة خبر معاناة أستاذ جامعي صاحب خدمة أكاديمية طويلة، ويحمل درجة الدكتوراه، والتي تمثَّلت في البحث عن سكن مناسب، ولا مانع أن يكون ذلك السكن شقة، أو فيلا صغيرة.
أٌول ما أن أنهيت قراءة الخبر حتى أصبت بكآبة شديدة تصيبني وتصيب كثيراً من القراء الذين يتفاعلوا مع نوعية الأخبار، وفرضت عليه المقارنة بين ما يحصل عليه الأساتذة من حملة الشهادات العليا ممن قضوا زهرة شبابهم في التحصيل العلمي حتى حصلوا على الشهادات العليا، ودفنوا حياتهم في أروقة الجامعات وهم ينقلون العلم لغيرهم من أبناء البلد، وبعد أن يصل عمره 60 عاماً حسب التقويم الهجري يحال للاستيداع ولا أقول للتقاعد لأنه إن لم يكن ذا درجة علمية تؤهله للتمديد سنتين يترك الجامعة إلى منزله بلا عمل، هذا مصير جل أساتذتنا الكرام ولا يسثتنى من ذلك سوى من دبر نفسه وحصل على إعارة أو استعين به مستشاراً، وطبعاً لا يتجاوزون الخمسة بالمئة من هؤلاء الأساتذة الذين يعدون ثروة علمية وبشرية لا يستفاد منهم.
ما يحصل عليه الأستاذ الجامعي أثناء عمله، ويؤول إليه بعد استنفاد حياته الوظيفية، رغم أن العمل الأكاديمي يتجذّر ويصبح أكثر قيمةً وعلماً مع تراكم العمل وكثرة السنين إلا أن هذا لا نجده في الدول التي لا تزال تنظر وتعامل الأكاديميين من أساتذة الجامعات كموظفين لهم سن تقاعد وسنوات خدمة لا يمكن تجاوزها في حين نجد الدول المتقدّمة تحرص على علمائها وأساتذة الجامعات وتحفظ لهم مكانتهم العملية وتستفيد من علمهم وخبراتهم من خلال الحصر على إبقائهم ضمن هيئات التدريس كمحاضرين غير متفرّغين أو مشرفين على الكراسي العلمية وتوصي المؤسسات الحكومية والشركات الكبرى الاستعانة بهم كمستشارين يُستعان بهم لتطوير العمل وليس كما هو معمول بالدول النامية التي هي في الحقيقة دول متخلفة عن الدول المتقدمة التي تعيِّن المرء مستشاراً لا يستشار.
في المقابل نجد أن لاعبي كرة القدم بالذات يعاملون ويحصلون على مكاسب مادية وحتى تقدير أدبي أفضل بكثير بما يحصل عليه أساتذة الجامعات حتى إن أسوأ أو أقل لاعب كرة قدم يحصل من المكاسب والمزايا من أفضل أستاذ جامعي بمن فيهم حملة الأستاذية.
إذ حصرنا المزايا بما يحصل عليه لاعب كرة القدم من مكاسب مالية، يمكن أن توضع مقارنة لاعب يوقّع عقداً لمدة ثلاث سنوات بمبلغ لا يقل عن ثلاثين مليون ريال، مما يعني أنه سيحصل على عشرة ملايين ريال بالسنة وهو ما يزيد على 850 ألف ريال في الشهر، وهو راتب لا يمكن أن يحصل عليه عالم في الهندسة أو في الطب أو حتى في علم الذرة وليس أستاذ الجامعة الذي حتى وإن عمل وأشرف على طلبة الدراسات العليا لا يمكن أن يصل إلى 30 ألف ريال، وحتى بعد أن جدَّدت لجنة الاحتراف بكرة القدم في السعودية السقف الأعلى للتعاقدات لمليونين وأربعمائة ألف ريال للسنة للاعب يكون دخل اللاعب في الشهر مئتي ألف ريال في الشهر.
ملايين الريالات التي تنقل لاعب كرة القدم فجأة إلى طبقة الأثرياء وتجعله يتحوّل إلى إنسان آخر تصيب الكثير منهم بخلل في التوازن فيفقد السلوك السوي وهو ما عجّل بنهاية مبكرة لكثير من اللاعبين الذين لا نجد صعوبة في الحصول على نماذج منهم لسبب بسيط أن هؤلاء إلا من رحمه الله ورحم من يصرف ويعولهم، لم يكونوا مؤهلين للانتقال إلى حياة بذخة بسبب وفرة الأموال، وهذا يسبب للكثير منهم صدمة سلوكية تنعكس سلباً على الكثير منهم وهذه الصفة والسلوك لا تقتصر على اللاعبين السعوديين، بل يعاني منها اللاعبون العرب والأجانب وسمعنا الكثير من حالات السقوط والإدمان التي نالت الكثير من اللاعبين في أوروبا وحتى في الدول العربية وهو ما يجب أن يكون عبرة ودرساً للاعبينا.
مقارنة لاعب كرة القدم والأستاذ الجامعي أوردناها للتنبيه على ما يعانيه الأستاذ الأكاديمي من إهمال يستدعي النظر بجدية لمعالجة وضعه، مع التنبيه لما يحصل للاعبين الذين يعاني كثير منهم من صدمة سلوكية بسبب كثرة ما يغدق عليه من أموال في حين يعاني أساتذتنا من عوز وحرمان يدفعهم للبحث عن سكن لائق بهم وبعوائلهم.