نجيب الخنيزي
من الدلالات الفاقعة على انسداد أفق التنمية المستدامة في البلدان العربية التدهور والتقلص الحاد لدور ومكانة الطبقة الوسطى التي تمثل دعامة الاستقرار والتوازن الاجتماعي والسياسي في المجتمعات الحديثة، حيث جرى تهميشها وإضعافها على جميع المستويات، وفي المقابل، نشهد تعمق الفوارق الاجتماعية والطبقية في المجتمعات العربية بين الغالبية الساحقة من الناس وغالبيتهم من الشباب الذين يطحنهم الفقر والبطالة والحرمان وبين أقلية متنفذة تمتلك وتحتكر مكامن السلطة والثروة والقوة.
في المقابل كشفت مجلة «فوربس الشرق الأوسط» في عددها الصادر في أبريل عن قائمة (الأثرياء العرب لعام 2015) التي ضمت 100 ثري عربي من 12 دولة، بعضهم ممن وسعوا نطاق أعمالهم خارج حدود المنطقة، مسجلين ثروة إجمالية بقيمة 174.37 مليار دولار، في مقابل 166.2 مليار دولار بقائمة العام الماضي وهو ما يفوق الدخل القومي لعدة بلدان عربية مجتمعة، علما أن التقرير لم يشمل أصحاب المليارات الذين يفضلون أن يكونوا في الظل؛ إما بحكم مناصبهم الحساسة أو لشبهة الفساد في مكونات ثرواتهم.
كما ذكر تقرير التنمية الإنسانية العربية أن عدد اللاجئين في المنطقة العربية يقدر بنحو نصف اللاجئين في العالم وفقا للأرقام التي سجلتها المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) وعددهم في البلدان العربية نحو سبعة ملايين ونصف المليون العام 2008 من إجمالي عددهم في العالم البالغ 16 مليونا››.
ومعظم هؤلاء اللاجئين من الفلسطينيين يليهم العراقيون وهم يقيمون في الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن وسوريا. ويلفت التقرير إلى أن عدد النازحين داخل بلدانهم يفوق عدد اللاجئين ‹›ويبلغ نحو قرابة تسعة ملايين مهجر غالبيتهم الكبرى موزعة في ست دول عربية هي السودان وسوريا والصومال والعراق ولبنان واليمن›› كما نضيف إليهم الملايين من العرب الذين اضطروا للهجرة من بلدانهم والعيش في بلدان المهجر (الغرب) رغم فقدان الآلاف، ومن بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، حياتهم غرقا، وذلك في أعقاب تصاعد وتيرة الصراعات والحروب الداخلية في العديد من الدول العربية، وذلك لأسباب أمنية، واقتصادية، وسياسية ودينية.
لا يمكن على هذا الصعيد تجاهل أسباب تفاقم الصراعات الداخلية، واتساع رقعة العنف (الرسمي والجمعي والفردي) والتعصب والكراهية بين المكونات المختلفة. ينبغي الإشارة هنا إلى أن عدم وجود تماثل تام في أحوال أمن الإنسان، وطبيعة ودرجة التحديات التي تواجهها البلدان والمجتمعات العربية كل على حدة، غير أنها في الأغلب تعاني وبنسب متفاوتة من تلك الاختلالات الهيكلية المزمنة التي تخترق بنيانها السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي، والأمني، والتي يمكن في حال استمرارها ليس تدمير حاضرها ومستقبلها فقط، بل من شأنه تعريض وجودها وكينونتها لخطر الفناء، والخروج من ركب التاريخ ومسيرة الحضارة المعاصرة. هذه المعطيات المخيفة، تعكس إلى حد كبير مدى إخفاق الدولة العربية رغم خططها التنموية المتتالية، في تلبية أبسط شروط احتياجات الإنسان العربي في ضمان أمنه الحياتي والمعيشي، ناهيك عن إهدار حريته وكرامته وحقوقه الإنسانية الأخرى.