د. محمد عبدالله الخازم
أحسب أن الاقتصاد السعودي قائم على مبادئ أهمها حرية الاقتصاد والتجارة. حتى في أوج المد القومي وموجة التأميم التي اجتاحت الدول العربية كانت مبادئ الاقتصاد السعودي ثابتة في هذا الشأن. هذا ليس بجديد، بل إنه أصبح ديدن جل دول العالم في الوقت الراهن وأصبح القاعدة الرئيسة التي تتكئ عليها مبادئ المنظمات العالمية بما فيها منظمة التجارة العالمية التي تأخذ تحرير التجارة كمبدأ رئيس لاتفاقياتها، والمملكة عضو بتلك المنظمة.
المقدمة أعلاه سبق أن كتبتها عام 2007م حول شركة وزارة الصحة التي توجهت لإنشائها ذلك الحين، وقبل ذلك وبعده كتبت عن شركة التعليم كذلك، وأكرر الكتابة اليوم متسائلاً عن جدوى شركات حكومية تدار عن طريق الوزارات أو يرأس مجالسها الوزراء ويعين فيها من مسؤولي الوزارة. استغرب أن نعود إلى أفكار كهذه ونحن الذين نتبنى الاقتصاد الحر. مع التقدير بأن الدافع لإنشاء مثل هذه الشركات هو الرغبة الصادقة في التطوير بأساليب حديثة.
أول مأخذ على تأسيس شركات حكومية هو التوجه نحو الاحتكار. ربما يغضب البعض حين نستخدم مصطلحات مزعجة مثل الاحتكار لكن الوضوح يتطلب منا تسمية الأشياء بأسمائها. تأسيس شركة حكومية ليس تخصيصًا طالما هو لن يقود للمنافسة، حتى وإن شارك الناس بأسهمها بشكل جزئي. فالملاحظة في شركة الحكومة هو تحولها إلى شركة احتكارية لمشروعات الوزارة التطويرية، بل والأكثر أن تتولى الشركة وضع المواصفات وتنفيذ المشروعات أو الإشراف على تنفيذها، دون أية صيغ تنافسية مع شركات أخرى ودون أي مرجعية رقابية تقيس أداءها ومدخلاتها ومخرجاتها. بالمناسبة أنا لست مهتم بتفاصيل عمل الشركات الحكومية الحالية وجودة إدارتها، وأعتقد بحرصهم على الأنظمة وإنما أنقد الفكرة والفلسفة والنظام المتعلق بالشركات الحكومية. هناك أحاديث شائعة بأن الشركات الحكومية تحولت إلى مجرد مظلة تضاعف من خلالها رواتب المسؤولين بالوزارة ذات العلاقة سواء بتعيينهم عليها أو حصولهم على مكافآت إضافية منها وفي غياب الشفافية ليس لدينا أرقام تثبت أو تنفى ذلك.
التخصيص إذا لم يفتح باب المنافسة وتشجيع الاقتصاد الحر ليس تخصيصًا وفي الشركات الحكومية هو مجرد شكل إداري لكيفية صرف الموارد الحكومية، بطريقة مختلفة نخشى أن تكون غير منضبطة بنظام صارم، بحجة توفير المرونة التي يرغبها المسؤول في بعض الجوانب الإدارية والمالية.
المأخذ الثاني يتمثل في تحول الشركات الحكومية إلى بوابة خلفية لتجاوز بيروقراطية التوظيف وواضع نظام الخدمة المدنية الذي لا يمكن بوضعه الحالي من استقطاب الكفاءات المتميزة للعمل بالدولة. لماذا لا نصلح نظام الخدمة المدنية بدلاً من الالتفاف عليه بمنح بعض الموظفين مكافآت من الشركات الحكومية؟
المأخذ الثالث هو تسميتها شركات، دون أن تخضع للأصول المحاسبية المعروفة للشركات من ناحية خضوعها للمحاسبة القانونية وإعلان بياناتها الحسابية للمجتمع وتسجيلها بالأسواق المالية وتكوين نظم حوكمة فعالة وصارمة لها بما في ذلك تأسيس جمعيات عمومية لها. طالما هي شركات حكومية فهي تحصل على مواردها من الدولة وبالتالي فحق المواطن وحق الجهات الرقابية ومجلس الشورى ووزارة التجارة الاطلاع على حساباتها ومساءلتها.
أكرر؛ البعض يرى الشركات الحكومية كمخرج للأنظمة البيروقراطية أو نموذجًا للتخصيص. أطالب بتأسيس نظام الشركات الحكومية أو شبه الحكومية، إن كنا سنمضي في طريق تأسيس شركات حكومية أخرى وأن نتأكَّد من عدم انزلاقنا لتكرار تجارب الدول العربية التي أسست شركات حكومية في كثير من قطاعاتها وكلنا يعرف واقع تلك الشركات، التي أصبحت قصصًا إعلامية.
نحتاج أدوات مرنة لأداء الأعمال كما نحتاج التغلب على البيروقراطية، لكن وفق فلسفة فكرية اقتصادية لا تخالف المبادئ والتوجهات الاقتصادية والإدارية الحديثة التي أصبحت تركن إلى دعم القطاع الخاص وأداء جل العمليات عن طريق العقود مع الشركات المتخصصة وفق عملية تنافسية شفافة.
ناقشت أعلاه بعض المبادئ المتعلقة بالشركات الحكومية وتعارض ذلك مع مبادئ الاقتصاد السعودي الحر والتنافسية والشفافية والحوكمة وكل مايدعم القطاع الخاص والإنتاجية في كافة المجالات. إذا كان الاقتصاد السعودي لا يوجد به شركات أهلية قوية تستطيع الوفاء بالاحتياجات الوطنية، فهي مهمتنا دعم القطاع الخاص وتحفيزه لينتج مثل تلك الشركات، لا أن نخلق شركات حكومية احتكارية ذات أنظمة غير مقننة بشكل مناسب.