عبد الله باخشوين
حين نقول: ((إنه مثقف)).. لا نعني فقط أن الملك سلمان قارئ للكتب ومتابع لكتاب الصحف المحلية والعربية.. يشيد بإيجابياتهم وينتقد سلبياتهم كأي قارئ آخر.
لكننا نقول عن سلمان بن عبدالعزيز إنه ((مثقف)) لأن لديه بصيرة نافذة تمكنه من قراءة ((الناس)).
فمن خلال متابعته لمن تابع ويتابع يستطيع أن يقرأ آراءه ومواقفه وأفكاره ويعرف من خلالها توجهاته وطموحاته وأحلامه.
ويهجس - بحدس المثقف - بالمكان الذي عليه أن يضعه فيه.
لا نعني بذلك ((المناصب الحكومية)).. لكن نعني الرتب والمراتب التي في ضوئها يمكن تصنيف الرجال بين متملق وانتهازي وصاحب مصلحة.. وخنوع يبيعك ويشتريك حسب الموقع الذي تكون فيه.
وبين الصادق والمؤتمن ومن يمكن أن تضعه في خانة الأصفياء وتعتبره من المخلصين.
هذه النظرة الثاقبة والبصيرة النافذة.. هي التي تجعلنا نقول بـ((المثقف)) لدى الحديث عن شخصية سلمان بن عبدالعزيز.
ودون أن نقلل من شأن الآخرين.. نقول إن أقرب شريك له في مثل هذه الرؤية.. هو الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله.
لذلك سنأخذ بمواقف الملك عبدالله التي أحسن قراءتها وفهمها الملك سلمان.
الموقف الأول.. الذي نذكره جميعا.. هو تلك المحاولة الفاشلة للاعتداء على: ((نائب وزير الداخلية للشؤون الأمنية)) آنذاك الأمير محمد بن نايف والتي حدثت في منزله في جدة وذهب ضحيتها المعتدي دون أن يصاب الأمير بأذى.
- بعد تلك الحادثة بأقل من ساعة وفور وصول الخبر.. كان بإمكان الملك عبدالله الاتصال بابن أخيه ((تلفونياً)) للاطمئنان عليه وقد اطمأن من ناقل الخبر إليه..لكن ردة فعله تمثلت في الانتقال إليه مباشرة وزيارته.. في مبادرة تلقاها البعض باستغراب لمسافة المكانة ((الرسمية)) بين ((ملك)) و((نائب وزير)).. غير أن الأذكياء قالوا:
- والله الملك عبدالله.. صادة
وهذا يعني أن زيارته له هي إقرار بأهمية دوره في مكافحة الإرهاب.. ووضعه في حالة نفسية واعتبارية.. تقر بأهميته لدى أعلى سلطة في البلاد كشريك فاعل ومؤثر.
هذا الموقف قرأه ببصيرة نافذة الأمير سلمان بن عبدالعزيز وهو في مكتبه في إمارة الرياض.. هذه القراءة التي أكملت السيرة الحسنة للأمير محمد بن نايف التي عرفت عنه ونقلها كل من زامله خلال فترة دراسته في أمريكا.
أما محمد بن سلمان في علاقته بالملك عبدالله.. فلم يغفل عن متابعة تطوراتها منذ تعيينه مشرفاً عاماً على مكتب وزير الدفاع وعضواً في مجلس الوزراء.. ففارق السن الذي يفصل بين الملك عبدالله والأمير محمد بن سلمان يصل إلى نحو ستين عاماً وليس من السهل على من هو دون الثلاثين أن يتجاوز هذا الفارق ويحظى بالثقة. لكن هذا ما نجح الأمير محمد في تحقيقه بصبر وحكمة مستغلاً قدرة الملك عبدالله على حسن الاستماع وإعجابه بالفكر المتجدد والقدرة على الانجاز.. فكان أن بدأت مسيرة الثقة بينهما بالنجاح في الديوان الملكي وديوان وزارة الدفاع وارتفع سقفها لإعجاب الملك عبدالله بفكرة إعادة هيكلة الاقتصاد ووصلت إلى حد يقول عنه الأمير محمد:
- ((لا يوجد أي شيء لم أقم بمناقشته مع الملك عبدالله ولم يأمر بتنفيذه))
من هنا يمكن أن نقرأ رؤية ((المثقف)) الذي نراه في الملك سلمان.
الذي تأمل وأدرك أهمية تلك النظرة الثاقبة لدى الملك عبدالله.. وفهم مغزى احترامه وتقديره لإمكانات وقدرات محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، هذه النظرة التي لابد أن تكون قد أخذها بعين الاعتبار وهو يجيل بصيرته النافذة في إمكانات وقدرات الشابين اللذين استحقا تقدير واحترام مثقف مثل عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله.. وهما اللذان خصهما باهتمامه ورعايته وتقديره لإنجازهما الذي لا يعرفه ويقدره حق قدره سوى ملك لم تشغله كل مشاغله عن الاستماع لهما وتنفيذ كل الأفكار التي أوصلوها إليه.
ومن هنا نجد أن اختيار الملك سلمان بن عبدالعزيز لهما لاحتلال منصبيهما كولي عهد وولى لولى العهد.. لا يأتي بناء على رؤيته الشخصية فقط.. بل نزعم أنه يأتي مكملاً لرؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومحققاً لما هجست به وتمنته لهذين الشابين في وطن هو في أمس الحاجة لمن هو مثلهما جاداً ومثابراً في الدفاع عن طموحات وأحلام كل أبناء الوطن.