د. أحمد الفراج
لا جدال في أن فوز باراك أوباما برئاسة الإمبراطورية الأمريكية كان حدثاً مفصلياً في التاريخ الاجتماعي والسياسي الأمريكي، ومع أن ذلك كان مبهجا لتيارات الوسط واليسار، كدليل ملموس على أن أمريكا تخطت الحرب مع نفسها، فيما يتعلق بتاريخها الأسود مع السود والهنود الحمر، إلا أنه كان حدثا مأساويا لشرائح شتى من المواطنين البيض المحافظين، وقد كتب أحد المعلقين، بعد فوز أوباما، في عام 2008، وقال:» إن عدداً لا يستهان به من الشعب الأمريكي المحافظ بات يشعر بأن أمريكا أفلتت منه!»، ولم يكن هذا المعلق عنصرياً، بل كان يصف واقعاً ملموساً، فلا يمكن أن ينسى المتابعون ردود فعل أنصار المرشح الجمهوري، جون مكين، وذلك عندما أقر بالهزيمة من أوباما، في ذلك العام، وبارك له الفوز بالرئاسة، فقد كان مشهد دموع أنصار مكين، وغضبهم الشديد، وهتافاتهم له بأن لا يقر بالهزيمة من أوباما، واحداً من المشاهد التي لن ينساها التاريخ السياسي لأمريكا، وتبع ذلك إعلان الإجراءات الأمنية المشددة لحفل تتويج أوباما بالرئاسة، واستنفار الأمن الرئاسي، حتى اليوم، لحماية أوباما من جنون المتطرفين البيض!.
ولولا أن أوباما شخصية أكاديمية مثقفة، وواعية، ورزينة، تهمها المصلحة الأمريكية العليا، لربما سمعنا ما لا يخطر على بال، من محاولات التحرش والإهانات التي تتعرض لها العائلة الأمريكية الأولى، ومع ذلك فإن ما تسرب يكفي للدلالة على ذلك، فبعد ازياد الحوادث العنصرية، التي ارتكبها أفراد الشرطة البيض ضد السود، تحدث الرئيس أوباما بمرارة، إلى مجلة بيبل الشهيرة، عن العنصرية التي تضرب أطنابها عميقا في المجتمع الأمريكي، وقال إن أحد الحضور البيض، في إحدى الحفلات الرسمية، ظن أنه خادما، فطلب منه أن يصنع له كوبا من القهوة، وقد بلعها الرئيس الرزين، رغم قسوة الألم التي مر به من هول المشهد، وأضاف أوباما قائلاً: «لا يوجد مواطن أمريكي أسود لم يمر بمثل هذه التجربة، مهما علا شأنه، فكثيرا ما يكون المواطن الأسود ضحية لمثل هذه المواقف، مثل أن يرفض سائقوا سيارات الأجرة البيض الوقوف له، أو أن يعطيه أحدهم مفتاح سيارته ليحضرها له من بهو الفندق، معتقدا أنه أحد خدم الفندق»!.
سيدة أمريكا الأولى، ميشيل أوباما، تحدثت عن مواقف مماثلة، فقد ذكرت بأنها كانت في زيارة تسوق في مركز تجاري معروف، في عام 2014، وحينها طلب منها أحد المتسوقين البيض أن تحضر له كرتونا من الرف، معتقدا أنها أحد العاملين بالمركز، ثم تضيف السيدة الأولى بمرارة:» كيف يحدث هذا لسيدة الولايات المتحدة الأمريكية الأولى، والتي تسكن في البيت الأبيض منذ ست سنوات؟!»، فإذا كان هذا يحدث للرئيس وزوجته، فكيف بحال من دونهم من المواطنين السود؟!.، وسنواصل الحديث.