أ. د.عثمان بن صالح العامر
لعلمائنا الأجلاء منزلتهم العظيمة في نفوس شريحة عريضة من أطياف المجتمع السعودي وطبقاته المختلفة، وكلمتهم- ولله الحمد والمنّة- مسموعة ولها ثقلها ووزنها لدى الخاصة قبل العامة، وعلى المستوى الرسمي والشخصي، بل في الخارج كما هو الحال في الداخل، وجهودهم التي يبذلونها وأوقاتهم التي يقضونها في الصدع بالحق وبيان أحكام الإسلام، وإرشاد الناس وتوجيههم، والوقوف أمام دعاة المنكر والضلال وألاعيبهم، تلك الجهود مقدرة ومحترمة ومحل اعتراف من الجميع في هذه البلاد المباركة، التي تولي قيادتها الحكيمة العلم والعلماء جلّ اهتمامها، وعظيم رعايتها، إيماناً منها بأهمية دورهم في حماية العقيدة السلفية الإسلامية الوسطية الصحيحة، ومن أجمل ضمان سلامة وأمن واستقرار المجتمع الذي ينشد الفوز بالدارين الدنيا والآخرة. ومع ذلك فإنني أرى ونحن نستقبل شهر رمضان المبارك - حيث تكثر فيه أسئلة الناس وتتعدد قضاياهم التي يتصلون من أجل أخذ الفتوى الشرعية فيها – أقول: أرى - من وجهة نظر شخصية صرفة - أن يستعاض عن برامج الفتاوى التي على الهواء بفتاوى تستقبل فيها الأسئلة وتسجل قبل عرض البرنامج بوقت قصير أو حتى في وقت إذاعة البرنامج نفسه، بحيث يكون المستقبل فيها للأسئلة والمتحدث مع المتصل شخصًا آخر، يحررها بدقة ثم يسلمها لمقدم البرنامج الذي هو بدوره يعرضها على الشيخ ليفتي فيها موقّعاً عن الله فيما قال، ومدللاً على ما ذهب إليه من كتاب أو سنة، لأنهما المعتبران في مسائل الدين، وكما قال الإمام مالك رحمه الله: «كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر» بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
وبنيت رأيي هذا الذي سقته أعلاه على مبررات ومعطيات عدّة، أهمها عندي:
عدم التزام بعض المتصلين والمتصلات بآداب المتعلم والسائل مع الشيخ.
السؤال عن أمور شخصية «الفتوى فيها خاصة ولا تقبل القياس والتعميم» ومع ذلك يأخذها المستمع حكماً عاماً وينسبه للشيخ، وقد يقيس عليه وهو لا يعرف الخاص من العام، ولا المطلق والمقيد ولا... مما هو مهم في هذا الباب.
إحراج الشيخ بأسئلة ذات خصوصيّة كاملة، خاصة من قِبَل النساء، وتطرح بجرأة متناهية، مما قد يجعل البعض يحكم بضعف مستوى الوعي الديني في المجتمع السعودي، وقد يصفه بالجاهل لما هو معلوم من الدين بالضرورة، ويعلم الله أنك أحياناً وأنت تستمع لمثل هذه البرامج المباشرة يساورك الشك أن هناك أسئلة يُقصد منها الإثارة، وربما التسطيح وإضعاف البرنامج وما يأتي فيه من فوائد، سواء من خلال تكرار السؤال بشكل ملفت للنظر أو التعمق بمسائل فرعية وما إلى ذلك.
اختلاف لهجات وجنسيات المتصلين وربما مذاهبهم الفقهية التي ينتهجونها في تعبدهم لله منذ نعومة أظفارهم وحتى اليوم، الأمر الذي يترتب عليه الأخذ والرد بين السائل والشيخ، وربما تدخل المقدم من أجل الإفهام وتبسيط اللغة أحياناً، ومثل هذا النوع من الأسئلة الأفضل فيه الإجابة الخاصة- في نظري- بعيداً عن الإعلام.
ورود أسئلة ذات شأن عام ومهم ليس من المناسب طرحها في هذا الوقت بالذات «فقه المآلات».
علاوة على كل هذا فإن الخطاب الديني الذي من أهم مفرداته الفتاوى الشرعية يعدّ في عالمنا المعاصر من أقوى الأسلحة وأهمها في الحرب الدائرة بين قوى الخير والشر كما هو معلوم، فهناك مراكز متخصصة ترصد وتتابع وتحلل وتنقد وتضرب هذه الفتوى بتلك وهذا القول بالآخر، غربية كانت هذه المراكز أو شرقية إسلامية أو مسيحية أو يهودية رسمية أو شخصية، ولذا كان لزاماً استشعار طبيعية المرحلة التي نعيشها، وأخذ اختلافها الكبير اليوم عمّا كان عليه الحال قبل سنوات ليست بالبعيدة في الحسبان.
أبارك لقيادتنا ولعلمائنا ولمشايخنا ولأهلنا وذوينا وجنودنا البواسل ورجال أمننا الأبطال قرب حلول شهر رمضان، وأسأل الله أن يجعله شهر عزٍّ ونصر لنا على أعدائنا أعداء الملة والدين، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.