أحمد فلمبان
المتأمل للساحة التشكيلية المحلية، هناك العديد من المفاهيم الخاطئة، منها ظهرت في الآونة الأخيرة لدى بعض الفنانين، وهي الاستعجال والبحث عن الأهداف بسرعة والوصول إلى الشهرة، بأقل مجهود دون أن يستشعروا قيمة الصعود خطوة خطوة في طريق الفن الطويل، والتريث في إقامة المعارض الشخصية التي أصبحت متاحة للجميع بما فيهم المتسكعون في دهاليز الفن والمبتدئون، لرؤيتهم خلو الساحة التشكيلية من الرقيب والحسيب، لأن الأمر لا يتطلب لتكوين لوحة سوى شراء الخامات والمواد، والاقتباس من كتب الفن والنت، التي أتاحت الفرصة للجميع وسهلت لهم الإنتاج، والزج بها في معرض شخصي!!.. وهذه الحالة فرضتها البيئة التشكيلية المتساهلة وغياب المعايير والضوابط، في ظل الجهل الفني والغرور والكبرياء، ومن الأمور البديهية في عالم الفن، صعوبة إنتاج الأعمال الفنية لإقامة معرض شخصي التي هي عادة، حصيلة تجارب قائمة على فلسفة واضحة ومضامين فكرية جلية ورؤية فنية وتجربة تضيف للفن جديداً، ويكون الفنان أول ناقد لنفسه ويفكر مائة مرة قبل أن يقدم على هذه المغامرة التي قد تؤدي إلى نهايته الفنية، ويقضي شهوراً عدة في إنتاج لوحة واحدة تستعصي عليه، وقد يفني حياته في الفن دون أن يقدم على هذه الخطوة، وإن أقدم على هذه التجربة، فيكون بعد فترة طويلة من المشاركات الجماعية والمسابقات وإثبات الذات، والأمثلة كثيرة في تاريخ الفن العالمي، فنانون ماتوا وقضوا حياتهم وتركوا للفن أثراً يُحتذى، دون أن يقيموا معرضاً شخصياً واحدا! أما هنا، فالأمر إسهالاً واستسهالاً وبأي إنتاج وفي أي مكان وزمان، والفضل يعود إلى الفن الحديث والتركيبي وما بعد الرمزية والمفاهيمية!.. التي أعطت الفرصة لهؤلاء في أن يغامروا ويفرضوا أنفسهم بالقوة دون أدنى امتلاك للموهبة والمعرفة الفنية، فمجرد كومة من الأخشاب والأقمشة والأوراق وتلطيخها بالألوان والمعاجين بحجة التجريد، واستخدام المرايا وعلب الصلصة والبلاستيك والخرز والترتر والأحذية القديمة ودهانات النيفيا ومعاجين الصلصة ومخلفات المناجر وورش الحدادة، وعرضها على أوهام بائسة تحت عنوان المفاهيمية!!.. استطاع أحدهم أن يقيم خمسين معرضاً شخصياً خلال مشواره الفني العشرين!!.. وآخر يقيم ثمانية معارض شخصية في أربعة وعشرين شهراً، وآخر سبعة عشر معرضاً خلال عشرين عاماً، وهذه أمثلة من الركض في إقامة المعارض الشخصية، وعقدة الأفضل والأحسن، والتفاخر با في سيرهم الذاتية، محاولين تخطي حاجز المائة معرض!! يساهم في هذا التسابق، الصالات الفنية التي تقبل عرض أي شيء، لملء فراغها وعدم توقفها، وغياب النقاد الحقيقيين الذين هم حماة الفن والمحافظون على نقائه ونقاوته، وسكوت الجادين من الفنانين والمثقفين وأدعياء التنظير بالمشاهدة ومراقبة الوضع عن بُعد بمنظار المجاملة والخوف، حتى أصبحت هذه الحالة، ظاهرة أساءت إلى المستوى الحقيقي لواقع التشكيل السعودي، وشوهت الحس الراقي والأفكار المتجددة والمنطلقات التجديدية والمحاولات الواعية لدى بعض الفنانين الجادين، الذين يحاولون تقديم عصارة فكرهم وبحثهم الدائم والدءوب لخلق تقاليد فنية ثابتة، ولعل جهل أو تجاهل، هذه الحقيقة، هو ما دفع هؤلاء المغامرين إلى عبثهم وعنتهم، متناسين وعي الساحة التشكيلية وقدرات الجادين وثقافتهم على الحكم والفرز، والعين الفاحصة لدى المتلقي والمثقف، واهمين أنفسهم بقدراتهم، واثقين من تأييد الأبواق المجاملة والمطبلين في الصحافة الفنية، هو حق مكتسب، وغائب عنهم أن الساحة التشكيلية ليست ملكاً لفرد أو للمغامرين والمبتدعين، بل للجادين والمبدعين، يجب احترامهم بالتريث وسبر الطريق خطوة خطوة حتى تنضج تجاربهم وتصل إلى مستوى الإقناع والاقتناع، وإيجاد صيغة وأسلوب خاص للوصول إلى مستوى التميُّز والفن الأصيل، فالفن ثقافة والثقافة حضارة، ولا مجاملة وعبث في بناء الحضارات، لأنها واجهة الأمم ومعيار تقدمها، يجب المحافظة عليها وعلى نقائها والحرص على أصالتها.