د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
ليس السبيل الوحيد في الحد من الفقر وتعزيز التنمية هو تحقيق نمو مستدام، رغم أن النمو أمر مهم، لكن نوعاً معيناً من النمو هو السبيل إلى تحقيق تنمية مستدامة، ذلك هو النمو الذي يشمل الجميع بثماره.
نجد أن الرئيس الأمريكي أوباما رفض الاعتذار بعد التصريحات التي أدلى بها عن الوحدة الوطنية وموقف أعضاء الكونغرس من قرارات الحد الأدنى لأجور الأمريكيين، وغيرها من الأمور التي تتمحور حول الطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة، وقال قولته المشهورة: يريدون سحق الطبقة الوسطى لن أعتذر، بعد انخفاض البطالة أوروبياً وارتفاعها أميركياً بالتزامن مع محاولات إنعاش الشراكة الأطلسية، بعد تدفق العاملين المتعلمين إلى الولايات الجنوبية عمل ببساطة على تخفيض الأجور من خلال زيادة عرض العمالة.
ارتفاع البطالة يجعل البلدان تعيش على وقع الهزات الاجتماعية والاقتصادية كما في فرنسا التي تواجه مصير مشروع إصلاح قانون العمل وسحبه من التداول استجابة لما تُطالب به النقابات والجناح اليساري في الحزب الاشتراكي واليسار المتشدد، بينما حركة الاحتجاجات المطالبة بسحب المشروع الذي ترى فيه نسفاً لمكتسبات العمال والموظفين وخضوعاً لمطالب أرباب العمل.
البطالة تُشكّل آفة اجتماعية واقتصادية، والقانون الإصلاحي في فرنسا مستوحى من فلسفة ليبرالية، فيما المعارضون يتمسكون بالعقد الاجتماعي الذي يضمن الكثير من الحقوق للعمال والموظفين والنقابات.
التحول الاقتصادي في السعودية الذي يمكن أن يتجه إلى استغلال المزايا النسبية الطريقة المثلى لأي تحول اقتصادي، حيث وفر التحول الاقتصادي في ماليزيا أكثر من 3 ملايين وظيفة، وفي نفس الوقت المجتمع بحاجة إلى محاولات فكرية جادة لتغيير النظرة الاجتماعية حول اقتصاد الرفاهية في زمن الخصخصة واللا مركزية.
إعادة هيكلة الوزارات تدعم دخول الشباب للقطاع الخاص، تتماشى مع رؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى رفع مساهمة القطاع الخاص بالناتج المحلي إلى 65 في المائة ارتفاعاً من 40 في المائة في عام 2015، مع ضرورة تزامن الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية مع برامج تحمي متوسطي ومحدودي الدخل.
الاقتصاد يرسم خطة عمل للفترة 2016 - 2020 بـ 14 محوراً للإصلاح الاقتصادي والمالي والهيكلي، يستهدف التخلص من الكثير من أشكال الاحتكار أحياناً، والتخلص أيضاً من أوجه الفساد المالي والإداري أحياناً أخرى، إضافة إلى التخلص من أنماط البيروقراطية المهترئة التي تسببت في تعثر أو توقف مشروعات التنمية الشاملة، أو تسببت في تدني أداء الأجهزة الحكومية وقصور خدماتها وارتفاع نسب البطالة التي أثّرت على المجتمع نتيجة تراكمها طوال الأعوام الماضية دون أية حلول أو إصلاحات حقيقية، ما اصطلح على تسميته الفجوة التنموية.
الدول التي لديها منظومة اجتماعية واقتصادية وقانونية وقضائية كاملة لم تواجه مشكلة التوطين مثلما يعاني المجتمع السعودي، وتقبل تلك الدول بنقل المصانع وحركة رأس المال باتجاه مناطق النمو الجديدة، لكنها لا تقبل أن تكون على حساب الأجور، رغم أن السعودية وقّعت مع منظمة العمل الدولية على اتفاقية المساواة وعدم التمييز بين العمال سواء السعودية أو الوافدة، ومن ذلك المساواة في الأجر والمساواة في ساعات العمل وهي التي تخلق المنافسة الحقيقية وتخلق سوق عمل حقيقياً، حتى ضغوط وزارة العمل والداخلية على السوق لم تنجح في تصحيح مسار السوق ويدفع المجتمع التكلفة بارتفاع نسب البطالة بين أفراده.
أصبحت وزارة العمل أمام معادلة صعبة رغم ضخامة الجهود التي تبذلها من أجل إقناع صاحب العمل بضم أكبر عدد ممكن من الأيدي الوطنية التي تسببت في سعودة وهمية وبأجور متدنية واتساع رقعة التستر ما جعل العديد من القطاعات الاقتصادية محتكرة للوافدين نتيجة غياب القوانين والتشريعات ومعاقبة المخالفين التي تحكم العلاقة بين المجتمع وأصحاب الأعمال كما هو سائد في جميع بلدان العالم.
ووفقاً لتحليل وحدة التقارير الاقتصادية في صحيفة الاقتصادية بلغ معدل البطالة بين السعوديين نهاية عام 2014 نحو 11.7 في المائة وهو معدل أعلى بنسبة 6.2 في المائة عما استهدفته الخطة التاسعة التي انتهت عام 2014، وتستهدف الخطة العاشرة في ظل التحول الاقتصادي 2015 - 2019 خفض معدل البطالة من 11.7 في المائة بنهاية عام 2014 إلى 5.1 في المائة بنهاية الخطة العاشرة 2019.
لا تزال اقتصادات العالم تناضل من أجل التعافي من الأزمة التي تعرضت لها منطقة اليورو والتباطؤ الاقتصادي في الصين والركود الاقتصادي في اليابان، ورغم تحسن مستويات البطالة في بعض البلدان، إلا أن هذا التحسن لم يصل إلى مرحلة الاستدامة أو الطمأنينة الاقتصادية، خصوصاً في ظل مستجدات مختلفة حدثت في الاقتصادات الكبرى، بينما نجد وزارة العمل السعودية تتفوه بتصريحات غير مسؤولة خصوصاً عندما تقول بأن الموظفين الجدد لديهم مفهوم خاطئ عن بقائهم بالوظيفة، وأن الأمان الوظيفي بالقطاع الخاص غير موجود في كل دول العالم رغم أن مثل هذا التصريح صحيح بالمنطق الاقتصادي، لكن في ظل سوق عمالة تعتمد على العرض والطلب وليس في سوق مشوهة تعتمد على العمالة الوافدة غير الماهرة الرخيصة.
كما نجد أن وزارتي العمل والخدمة المدنية وضعتا برنامجاً زمنياً لإحلال الكوادر السعودية بدلاً من العمالة الوافدة في القطاع العام بدلاً من القطاع الخاص، بينما تلك الإستراتيجية لا تتماشى مع إستراتيجية رؤية السعودية 2030 التي اعتمدت الخصخصة في التحول الاقتصادي، والغريب أن وزارة العمل تضع أمام العمالة الوافدة خيارين لمواجهة التوطين إما إيجاد عمل أو المغادرة، فيما يحق للعمالة الوافدة المستقدمة أن تُحاكم أصحاب الأعمال الذين استقدموهم إذا لم يؤمّنوا لهم عملاً أو دفع رواتبهم حسب العقد المتفق عليه.
والغريب أن وزارة العمل تعترف بأن 85 في المائة من العمالة الوافدة ضعيفة المهارة و 60 في المائة منها أمية، رغم ذلك وافقت على استقدام 1.4 مليون وافد جديد في عام 2015، ولم تدرك الوزارة بأن المهاجرين رقم اقتصادي كبير في وادي السيليكون الأميركي، أصبحت مهاراتهم الابتكارية لا غنى عنها في قلب التقنية العالية بدلاً من الاعتماد على العمالة الوافدة الرخيصة التي أضرت بالاقتصاد المحلي ونافست المواطن السعودي.
ورغم أن 150 مهنة مقتصرة على السعوديين لكن بسبب التحايل فشلت وزارة العمل في تحقيق تلك الإستراتيجية، بسبب أن وزارة العمل تهدد القطاع الخاص بوقف الاستقدام والخدمات عن الشركات التي تفصل المواطنين تعسفياً ما يجعل القطاع الخاص يتحايل على وزارة العمل بتوظيفهم برواتب ضئيلة بدلاً من فصلهم حتى يستقيل المواطن ويحاول أن يبحث عن بدائل أفضل بسبب تدني الأجور، ووفقاً للأرقام الرسمية فإن 55.4 ألف سعودي لا يرغبون في العمل رغم أن أعمارهم تتجاوز الـ 15 سنة وليسوا طلاباً، لكن هناك تراجع معدلات تسرب السعوديين من القطاع الخاص إلى 10 في المائة فقط، رغم ذلك فإن الوافدين يستحوذون على 54 في المائة من الوظائف التي يوفرها القطاع الخاص، وهناك 1.32 مليون منشأة تشكّل نسبة 74 في المائة من إجمالي المنشآت السعودية التي لا يعمل فيها أي مواطن، وذكرت دراسة أن قوة العمل خارج سوق العمل تصل لنحو 10.3 مليون أي بنسبة 46.4 في المائة من السكان بعمر 15 سنة فأكثر منهم 8.23 مليون مواطن، ما يرفع نسبة الإعالة بين المواطنين إلى 1 لكل 2.7 فرد، ويتم إصدار 10 آلاف ملف تجاري جديد شهرياً وتعترف وزارة العمل بأن تلك الملفات بحاجة إلى 800 ألف عامل سنوياً ما يعتبر استمرار فشل معالجة توطين الوظائف.
ما زالت جهود الوزارة إحلالية أكثر منها خلق وظائف جديدة مثل برنامج تغيير أوزان العمالة الوافدة في نطاقات وفقاً لأجورها وفترة إقامتها بهدف الاستغناء عن متدنية المهارات، وبرنامج التوطين الموجه لتحديد مسارات التوظيف تستهدف الإحلال التدريجي للمهن ذات المهارات العالية والمتوسطة في القطاع الخاص، حيث نسبة تلك الوظائف تمثل 11.8 في المائة من الأجانب العاملين في القطاع الخاص و88 في المائة من الوافدين أجورهم أقل من 3 آلاف ريال يتركزون في الوظائف الدنيا، و 76 في المائة من الأجانب في القطاع الخاص رواتبهم 1500 ريال وأقل.
وفي قمة مجموعة السبع التي عقدت في اليابان تطالب ألمانيا الدول المتعثرة بتسريع التحولات الهيكلية، بينما أكد آبي رئيس وزراء اليابان إلى الحاجة إلى سياسة مالية أوسع، وحض شركاء ألمانيا على خفض الضرائب وزيادة الأجور في الوظائف الحكومية من أجل تقوية الطلب الداخلي والإسهام في دعم الاقتصاد العالمي.
نجد تقارب متوسط راتب السعودي والوافد في القطاع الحكومي إذ يصل متوسط راتب السعودي نحو 10145 ريال بينما الوافد يصل نحو 8425 ريال إذ وصل إجمالي مخصصات الرواتب في عام 2014 نحو 314 مليار ريال تشكّل 37 في المائة من الميزانية، فيما تبلغ أجور القطاع الخاص نحو 23.2 مليار ريال بمتوسط 2311 ريالاً لكل موظف شاملاً المواطنين والوافدين، لأكثر من 10.02 مليون مشتغل، منهم 929.97 مواطناً، متوسط راتبه 5586 ريالاً، لكن 52 في المائة من المواطنين رواتبهم 3 آلاف أو أقل، و28 ألفاً راتبه 1500 ريال و 59 ألفاً أقل من 3 آلاف ريال و192 ألف مواطن في القطاع الخاص رواتبهم 10 آلاف وأكثر، و 1765 ريالاً للوافد 70 في المائة منهم في الخدمات والتشييد والبناء، ونحو 5.3 مليون عامل في قطاع الإنشاءات بينهم 600 ألف مواطن.
نصف السكان السعوديين فوق 15 سنة يدرسون في التعليم المتوسط والثانوي تكلفة تعليم الطالب سنوياً على الدولة 11556 ريالاً حيث بلغت مخصصات التعليم عام 2013 حوالي 204 مليارات ريال، فيما عدد الطلاب 17.65 مليون طالب سيدخلون سوق العمل في أقل من عقد من الزمن ما يعني أن إستراتيجية الإحلال غير كافية لكن برنامج التحول الاقتصادي قادر على الاستعداد لتلك المرحلة، بدلاً من أن تستمر السعودية في الاعتماد على استخدام العمل المستورد وخفض أهمية العمل ومستوى الأجور، ومن ثم زيادة الفجوة بين القطاعين العام والخاص من حيث متوسط الأجور.
اتجهت وزارة العمل نحو حماية الأجور في مراحل متقدمة لكن غياب الحد الأدنى للأجور مخالفة دولية لإنماء مفهوم الشراكة الاجتماعية، ويجب أن يكون هناك حد أدنى للأجور حتى لا يقع ظلم في الأجور بين موظفي هذا القطاع، ليكون هناك قاعدة عامة ترتكز عليها سياسة الأجور، ولا بد أن يشمل جميع الفئات الوطنية والوافدة.
كل دول العالم لديها حد أدنى للأجور ففي فنزويلا ارتفع الحد الأدنى للأجور 30 في المائة لمواجهة التضخم الذي بلغ 180.9 في المائة عام 2015 ويبلغ الحد الأدنى للأجور 1513 دولاراً، بينما انتعشت الأجور في أمريكا في علامة على مرونة الاقتصاد حيث تراهن اليد العاملة الأمريكية كثيراً على رفع الأجور من أجل الحصول على 15 دولاراً في الساعة للعاملين من ذوي الدخل المنخفض.
وهناك جدل في بريطانيا حول رفع الحد الأدنى للأجور حيث اقترح وزير المالية رفع الحد الأدنى للأجور إلى 7 جنيهات إسترلينية للساعة ارتفاعاً من 6.5 جنيه، بينما تطالب اتحادات العمال البريطانية برفع الحد الأدنى إلى 10 جنيهات من أجل تحقيق مزيد من الرفاهية والعدالة الاجتماعية، رغم أن هناك آراء اقتصاديين معارضة لما ينتج عن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 10 جنيهات في اليوم إذ له تبعات في زيادة القدرة الشرائية للمواطنين على ارتفاع معدلات التضخم وإلى ارتفاع كبير في تكلفة الإنتاج، وهو ما سيؤثر سلباً في قدرة الشركات التسويقية في الخارج ما ينتج عنه ارتدادات سلبية على النمو الاقتصادي، ويدفع بأصحاب العمل إلى تسريح أعداد غفيرة من العمال لخفض التكلفة الإنتاجية.
في نفس الوقت تزايد الأجور ينعش إنفاق المستهلكين وتعزيز الطبقة المتوسطة، وخلق جسور جديدة إلى الطبقة المتوسطة التي تعمل على خفض الفوارق الاجتماعية بل اتجهت الولايات المتحدة إلى وضع حد أدنى للأجور حتى للمتعاقدين إلى 10.10 دولار في الساعة ورفعها من 7.25 دولار في الساعة، وفي سنغافورة حددت الحكومة حداً أدنى بنحو 800 دولار لعاملي النظافة المبتدئين، بينما لا يحصل عامل النظافة في بلادنا سوى على 100 دولار أو أكثر قليلاً على حساب ثراء أصحاب الشركات، لكن من يدفع الفاتورة؟، يدفعها المجتمع، ويتحول عامل النظافة إلى متسول تكتظ بهم إشارات الطرقات.
ومتوسط الأجر الشهري في اليابان 4220 دولاراً خلال فبراير 2016، ويستحوذ قطاعا الخدمات والصناعة القادرين على استيعاب اليد العاملة حيث يمثل قطاع الخدمات في اليابان 65 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي في حين بلغت مساهمة قطاع التصنيع 21 في المائة.