هاني سالم مسهور
مع نجاح المتشددين بإيران في إحكام قبضتهم على البرلمان الإيراني ونجاح علي لاريجاني في الاحتفاظ بمقعده رئيساً للبرلمان للمرة الثالثة، وهو الشخصية التي تحظى بدعم لا محدود من المرشد الأعلى علي خامنئي فإن ذلك يؤكّد مجدداً أن إيران لن تكون في المدى المنظور القريب دولة متصالحة مع محيطها العربي، وأن التوتر سيكون عنواناً عريضاً لمرحلة مقبلة، هذه النظرة التشاؤمية تعزّزها تصريحات الأمين الأعلى للمجلس القومي علي شمخاني الذي قال (قرارات خامنئي قائمة على أساس الوحي الإلهي) في تعليقه على إرسال قوات إيرانية للقتال في سوريا إلى جانب رئيس النظام بشار الأسد.
شمخاني لم يجد حرجاً وهو أيضاً يؤكّد أن إيران تخوض حرباً بالوكالة في العراق واليمن بذريعة الدفاع عن (الأضرحة والشعب الفلسطيني!)، حديث شمخاني هو امتداد لحديث المرشد الأعلى خامنئي الذي وصف الحرب في سوريا والعراق بأنها حرب (إرادات) وأن هذا هو نمو طبيعي للثورة الإيرانية المولودة في 1979م.
كل هذا الضجيج الإيراني يمكن أن يكون صداه عند حديث لافت صدر عن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران، علي أكبر هاشمي رفسنجاني؛ فلقد تحدث عن (تورّط) إيران في أزمات لبنان واليمن والعراق وسوريا وأفغانستان، مُقراً بأن طهران تحارب صفاً موحّداً من العواصم العربية المتضامنة ضد سياستها الخارجية، حجم الضغط عبر عنه رفسنجاني بأن ثمن الخروج من التورّط في العالم العربي هو باهظ، وأنه من الصعوبة التعامل مع التراجع الإيراني في تلك المشكلات المعقدة.
رفسنجاني وهو الشخصية المعتبرة في إيران، عندما تشعر بحجم الضغوطات فهي تدرك أن التعقيدات الداخلية في رأس النظام الإيراني تزيد من الأوضاع سوءاً على سوء، فارتفاع البطالة، وعدم تحقيق الوعود الاقتصادية الكبيرة بعد الاتفاق النووي، تشكل ضغطاً مباشراً على السلطة الإيرانية يُضاف إلى ذلك لعدم قدرة النظام إيجاد حلول سياسية تخفف من احتقان أنصار عن زعيمي الحركة الخضراء ميرحسين موسوي ومهدي كروبي.
كذلك فإن منع المرشد الأعلى علي خامنئي لقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع الرئيس حسن روحاني يضع الإيرانيين تحت ضغوط أكثر وخصوصاً أن لقاء الإيرانيين مع الأمريكيين يمكن أن يخفّف من التوتر العالي مع المملكة العربية السعودية التي وضعت إيران منذ يناير 2016م في عزلة حقيقية بعد الاعتداء على سفارة خادم الحرمين الشريفين في طهران والقنصلية السعودية في مدينة مشهد.
كانت العقدة في أن الإيرانيين سيجدون مخرجاً مع السعوديين عن طريق الأمريكيين، غير أن الدبلوماسية السعودية استبقت كل تلك الأفكار بتضييق الخناق على النظام الإيراني ونجحت في تشكيل جبهة عريضة من التأييد لمواقفها الثابتة من التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية، وهذا ما يجعل من المرشد الأعلى خامنئي يرفض لقاء روحاني مع أوباما، فمكتسبات إيران من الاتفاق النووي مع الغرب قد تنتهي بدرجات أكبر نتيجة أن السعوديين يعرفون تماماً ما يجب على الإيرانيين أن يقدموه كثمن من أجل قبولهم كجزء من هذه المنطقة، وهو ما تحدث به رفسنجاني بوضوح عن إيران غير مستعدة للخروج من العراق وسوريا ولبنان فالتكلفة لهذا الخروج ستكون باهظة على كل الدولة الإيرانية وستتحمّل أعباء كبيرة لذلك الإجراء.
العزلة الإيرانية ستؤدي حتماً لمزيد من الضغط القابل إلى أن يشكّل آداة من أدوات اختارت إيران عبر مغامرتها أن تكون فيها بالتورّط في العالم العربي ومحاولة إثارة الفوضى في العواصم العربية مما أدى لتأزم حقيقي في وضعها الاقتصادي ولم تنجح حتى مع اتفاقها النووي من تخفيف هذه الأزمات التي ارتبطت مع الثورة الإيرانية منذ ظهورها الأول.