هاني سالم مسهور
لم يكن متاحاً لنا أن نتحدث عن حضرموت فيما بعد احتلالها من تنظيم القاعدة الإرهابي منذ الثاني من أبريل 2015م، وكان يتعيّن علينا الحذر في خطابنا تجاه كل ما يقترب من حضرموت المختطفة، فلقد كانت مدن ساحل حضرموت تعيش اختطافاً من مجموعة إرهابيين تصوّب فوهات بنادقها على رؤوس الأهالي، وكان يتعيّن على المراقبين من أبنائها أن يمارسوا العبور اليومي على أخبارها وأوجاعها بدون مساس بها خشية أن تنفلت رصاصة قاتلة تؤذي الأهالي والساحل الحضرمي.
ورغم أن ساحل حضرموت سقط مبكراً بيد عناصر تنظيم القاعدة إلا أن ما قامت به هذه المدن خلال الفترة من مارس 2015م وحتى أكتوبر 2015م كان حالة خاصة لم تتطرق لها وسائل الإعلام، فلقد شهدت محافظات عدن والضالع ولحج مواجهات عنيفة مع غزو الحوثيين للعاصمة الجنوبية عدن، وشهدت المعارك العنيفة سقوط العشرات من المدنيين منهم شيوخ ونساء وأطفال مع انقطاع كامل للتيار الكهربائي وتوقف شامل للخدمات مما أدى إلى (نزوح) الأهالي إلى مدن حضرموت التي كانت تعيش رغم سيطرة العناصر المتطرفة عليها استقراراً تاماً.
لم يُسمع إطلاقاً لفظ (نازح) فلا القيم ولا حتى المبادئ الحضرمية ترتضي إطلاق هذا اللفظ على أهلهم الذين وجدوا أنفسهم بين أهلهم، فلم تُنصب لهم خيمة واحدة، وإنما فتحت لهم أبواب البيوت الحضرمية وتقاسم الناس لقمة العيش في واحدة من أكثر مخزونات الحرب تعايشاً، فوجد كل الناس ملجأ لهم، ووجدوا ما توفر من غذاء ودواء.
في هذا المشهد الإنساني الفريد الذي أفرزته مأساة الحرب، برزت مؤسسات المجتمع المدني في حضرموت، والتي كانت منذ سنوات مكان اهتمام من المهاجرين الحضارمة الذين كانوا قد اعتمدوا من خلال هذه المؤسسات على رعاية المحتاجين وتوفير المستلزمات الطبية والتعليمية لهم، لذلك لعبت هذه المؤسسات دوراً محورياً واستطاعت امتصاص أزمة النازحين عبر توفير المساكن بعد أن طالب أهالي حضرموت بشكل عفوي باقتسام السكن والطعام مع القادمين من عدن وما حولها.
الأزمة الحقيقية كانت بعد إعصار تشابالا وما تسبب من تفاقم الأوضاع الصحية في مدن الساحل الحضرمي، وذهب العشرات من ضحايا حمى الضنك، وفي حين احتجنا إلى إطلاق حملة (انقذوا حضرموت) من أجل لفت انتباه الجهات الإغاثية كان دور مركز الملك سلمان للإغاثة والخدمات الإنسانية متقدماً في تلك المرحلة التي خفّف فيها من وطأة الأزمة الصحية الخطيرة التي ألمت بمدن الساحل الحضرمي.
بعد تحرير المُكلا ظهرت واحدة من أهم الاعتبارات الخطيرة التي مست المجتمع الحضرمي وهي فشل البُنية التحتية للتعامل مع حياة الناس الطبيعية، فمشاكل الكهرباء والماء والصرف الصحي إضافة إلى عدم وجود المخزون من الأدوية الإسعافية في المستشفيات، ومع هذا الوضع المتأزم كان هنالك أمر آخر يجب التعامل معه وهو ظهور عناصر تنتمي للأحزاب السياسية وتحديداً الإخوان المسلمين الذين يحاولون استعادة دورهم المفقود.
من المهم النظر إلى حاجة ساحل حضرموت ككتلة كاملة غابت عنها التنمية منذ الاستقلال 1967م، وهذا ما يدعونا إلى أن نبحث عن حلول حقيقية تتوافق مع مستقبل حضرموت الذي عليه أن يقاوم الإرهاب الفكري الذي وجد فراغاً مع انكفاء المدرسة الشافعية المعتدلة، استعادة هذا الجانب لا يغفل الاستفادة من ما هو متاح فلقد نجحت عشرات مؤسسات المجتمع المدني من الاستفادة من المنح الجامعية لآلاف من أبناء حضرموت والذين تخصصوا في مختلف المجالات، وهذا هو الرصيد الفعلي الذي يجب أن يستثمر في حضرموت لبناء نموذج صحيح يستطيع الحياة.
الشباب والشابات الذين استفادوا من المنح الجامعية يجب أن يكونوا هدفاً للمشاريع التنموية في حضرموت خاصة، فلقد كان هنالك اهتمام كبير وبذل سخي تجاه تحقيق الانتقال الاقتصادي عبر مخرجات التعليم العالي وهو ما تحقق عبر مسيرة ربع قرن لكن لم يتم الاستفادة من هذه الطاقات الشابة، فلقد انتهجت الهروب نحو المهجر لعدم وجود الأرضية الجاذبة في حضرموت، وهو ما سبب أزمة أخرى يمكن الآن العمل الجاد عبر فعل تنموي ينتشل حضرموت من وضعها الحاضر والانتقال بها لتكون أنموذجاً آخر يتناغم مع الخطوة السعودية الإماراتية عسكرياً.