د.عبدالعزيز الجار الله
الموت المفاجئ أصبح يباغت الجميع ويحدث أزمات لكل الأسر والعائلات شباب بعمر الزهور ورجال ونساء في مقتبل العمر، بسبب حوادث السيارات والتغذية غير الصحية والإفراط في الدهون والسكريات وغياب الوعي في المتابعة الدورية من الأشخاص ومن الجهات الطبية ومن القطاعات المعنية في الصحة العامة. يوم الخميس الماضي فقدنا فهد بن عبدالله الغصن - رحمه الله رحمة واسعة وطيَّب مثواه وجعله مع الصديقين وفي عليين - افتقدته لأنه من الأقرباء اللصيقين ومن الأصدقاء ومن ثقافة الجيل نفسها، عاش في الرياض المدينة التي عشنا فيها نتقاسم همومها وحبها فجمعتنا بمشتركاتها بكل جماليات مدينتنا.
قبل أكثر من شهر اتصل فهد فجراً بصوته (المتحشرج) والمبحوح على ابنه الأكبر يزيد وناداه بنداء الاستغاثة المتقطع، فبادره الابن بسرعة فائقة وأوصله إلى المستشفى القريب من منزله، لكنه مباشرة وفي غرفة الإنعاش الباردة خلد فهد إلى النوم الأبدي دون صوت أو أنين، وبقي في غرفة العناية أكثر من شهر وأسرته الصغيرة زوجته الصابرة وأبناؤه الشباب وبناته الصغيرات، وعائلته الكبيرة من والدته - حفظها الله - والإخوان والأخوات وأقاربه وأصدقاؤه معلقين برجاء ألله والدعاء والآمال حتى استرد الله أمانته يوم الخميس الماضي وغاب عنا برحيل طويل. فهد الغصن حالة ونموذج لأسر عديدة تمر بها لحظات الموت المفاجئ، الذي يهجم في لمحات سريعة وقابضة، فمنهم من يتوفاه الله عاجلاً، وآخرون يدخلون في الغيبوبة الأبدية حتى يتم أجلهم، لا اعتراض على قدر الله فكل نفس ذائقة الموت، ولا راد لقضاء الله، {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً}، والحمد لله أننا نتمتع بقدر من الإيمان العميق الذي يجعلنا راضين ومصدقين بأجل الموت.
كان بالإمكان ليس تفادي حزة الموت وموعد عودة النفس إلى خالقها، ولكن بالإمكان أن يكون لكل شخص سجله الطبي، وهي خريطة بالأمراض ومتابعة دورية - الكشف الشامل الإلزامي - كل (5) أو (10) سنوات في المستشفيات الحكومية وقطاعات التأمين الطبي، ليعرف كل الـ(20) مليون مواطن، و(11) مليون مقيم وضعهم الصحي، وماذا يناسبهم من الأعمال والجهد، لأن لدينا ارتفاعات في أمراض السكر والضغط والسرطان والقلب والفشل الكلوي، وما زالت الأسباب الحقيقية غير معروفة، وهذا يتطلب منا ممن هم على قيد الحياة أن يرتب كل شخص ترتيباته الأسرية والبنوك والتعاملات والمتعلقات المالية والاجتماعية، ويهيئ نفسه للهزيع الأخير من الرحيل. لقد كان فهد الغصن يتمتع بصحة جيدة وبدن سليم وجعل من شبابه وصحته بعد طاعة الله جعلها نبعاً دفاقاً للآخرين، كان يحب والدته الفاضلة والطيبة يحبها بلا حدود، وكان يعلن هذا الحب على الأشهاد ويفتخر به ويجعله عنواناً يقدمه بعد حب الله على حب من حوله، لا يظاهر به وإنما كان حباً ورحمة لها، كان له امتدادات محبة مع الآخرين مع جميع أبناء أسرته ومع الأصدقاء، لذا في عزائه جاء الأصدقاء لوداع من أحبهم وعاش من أجلهم، فالحياة قصيرة وعمرها وميض فلا تبخلوا على من تحبون وأن تقولوا لهم نحبكم.