عبد الله باخشوين
في بداية عهد الملك سعود -رحمه الله- وتعيين الأمير مشعل بن عبدالعزيز وزيراً للدفاع يروي أبي «حكم باخشوين» هذه الحكاية.. أو «الحادثة» التي يعدها من أغرب الحوادث التي مرّ بها خلال عمله في «الجيش السعودي» كـ»جندي سائق» وهو عمل مكمل لعمل «الجندي المقاتل» لندرة السائقين في ذلك الوقت قبل أن ينشئ الجيش السعودي «مدرسة السياقة» في القاعدة أو مركز تجمع قطاعات الجيش في مدينة الطائف.
يقول أبي: كانت المرتبات تصرف بـ»الريالات الفضة» التي كانت «تضرب» خارج المملكة وتنقل من جدة إلى أنحاء مختلفة من المملكة. في ذلك اليوم تم تكليفي بالسفر إلى مكة المكرمة.. لإيصال شاحنة «دوج» جديدة صندوقها مليء بـ»قطم» الريالات الفضة.. وهي أكياس صغيرة مخيطة بأحكام على كمية محددة من «الريالات».. وكان يرافقني جندي من «البوليس الحربي» لحراسة الأكياس وإنهاء مهمة تسليمها.
لم تكن السيارة جديدة فقط.. لكن الطريق الأسفلت الأول في المملكة والذي يربط بين جدة ومكة..كان جديداً أيضاً.. الأمر الذي يشجع على القيادة بسرعة أكثرمن تلك التي اعتدناها في الطريق الترابية..
في منتصف «الرحلة» أخرجت رأسي من نافذة الشاحنة.. ولا بد أنني استغرقت في ذلك وقتاً أطول مما يجب..لأنني لم التفت للطريق إلا بعد أن انحرفت الشاحنة عن الأسفلت ومن هول المفاجأة حاولت إعادتها بنوع من العصبية مما أدى إلى ارتفاع «عجلتين» عن الأرض.. وظلت تسير على «عجلتين» ما يقرب من «الكيلو» قبل أن يتم انقلابها.. ونخرج منها سالمين أنا والجندي المرافق لنقف مذهولين نتأمل «قطم» الريالات متناثرة بطول مسافة انحراف الشاحنة إلى أن تفتقت «اللقطم» وتناثرت منها الريالات بفعل قوة ارتطام الانقلاب.
جلسنا لاحول لنا ولا قوة.. ولأن السيارات نادرة في ذلك الوقت.. فلم يكن أمامنا سوى انتظار أي سيارة تمر بنا لتبلغ عنا في جدة أو مكة.. لإرسال فريق إسعاف.
غير أن الصدف شاءت أن يكون أو من يمر بنا هو موكب الأمير مشعل بن عبدالعزيز وزير الدفاع قادماً من مكة ذاهباً لجدة. بعد أن ترجل من سيارته اتجهنا إليه.. وبدأ يسأل.. قال مرافقي:
- هذا الحضرمي هو السائق وأنا طال عمرك مدري اش صار.
قلت لسموه بجرأة لا أدري من أين أتت:
- يا طويل العمر.. قضاء وقدر.. لكن القضاء والقدر ما صار إلا على سيارتك وفلوسك.. وأنا وخويي سالمين.
قال: الحمد الله على سلامتكم..
وطلب من أحد المرافقين ورقة وقلماً.. وكتب لمن عاد من موكبه أن يسرعوا في إرسال سيارات الإسعاف وجنود لجمع المال.. وكتب ورقة أخرى وأعطاها لي.. ولأننا لا نجيد القراءة والكتابة احتفظنا بها وانتظرنا حتى إكمال جمع المال وذهبنا إلى مكة.. وفوراً أدخلوني السجن الموجود داخل «القسلة».
أثناء ذلك جاء مسؤول كبير في وزارة الدفاع.. وشاهد امرأة تجلس بجوار باب «القسلة» وبعد السؤال قيل له:
- هذي مرة اللي انقلب بسيارة «القروش».
ومن فورته اتجه لآمر القلعة وقال له:
- والله لو مرة السائق الحضرمي اشتكتك لسمو الأمير كان ضاع مستقبلك.. طلّع زوجها ولا تخليهم يروحوا من عندك إلا وهم راضون.
كان سمو الأمير قد كتب يقول:
- لأن الحادث قضاء وقدر.. تخلى مسؤولية السائق ومرافقه.
كنت أسمع أبى يروي هذه الحكاية.. وبين من يسمعها أجد من يقول:
- ما عرفت تدفن في الرمال كم «قطمة» وترجع لها بعدين..!؟