عبدالله العجلان
انتهى الموسم الكروي بأفراح ونجاحات وبطولات فِرق وأحزان وإخفاق فرق أخرى.. كان الأهلي نجمه اللامع وفارسه الأبرز والأميز، في الوقت الذي تدهورت وتراجعت فيه فرق النصر والشباب والاتحاد، وإلى حد ما الهلال رغم إحرازه بطولتي السوبر وكأس ولي العهد، وأيضًا تنافسه القوي مع الأهلي على بطولة الدوري. وفيما يتعلق بسلبيات الموسم فإن ظاهرة تغيير المدربين جاءت لتؤكد من جديد حجم الفوضى وسوء التخطيط لدى معظم الفرق السعودية، ويضاف لها الأرقام المزعجة في ديون الأندية. وهذه وحدها بمنزلة الكارثة المدمرة لأندية كانت مصنفة ضمن الأندية الكبيرة الغنية؛ ما جعلها تعيش في دوامة الحاضر وغموض وسوداوية المستقبل إداريًّا وماليًّا، وكذلك فنيًّا. السؤال: ما سبب هذه الحالة المأساوية لمعظم أنديتنا؟
أرى أن أنديتنا تعاني من نفخ وتهويل نفسها، وعدم فهم وتقدير واقعها.. لا تعترف بأخطائها، بل تقاتل من أجل صرف الأنظار عن مشاكلها لدرجة التستر وعدم الإفصاح عن ديونها، وتأخير صرف مرتبات ومستحقات منسوبيها.. ويساعدها - أو بالأصح يورطها - في ذلك وجود إعلاميين يروجون لأفكار ومغالطات إدارات هذه الأندية؛ لأنهم يرون أن إيضاح مشاكلها والتعامل معها بمصداقية وشفافية إساءة للنادي وتشويه صورته، وهم لا يدرون أن الزمن كفيل بفضحها بكل تفاصيلها، وفي توقيت وظروف يكون فيها العلاج صعبًا، وربما مستحيلاً، وبخاصة في الشأن المالي الذي يزداد تعقيدًا وتراكمًا مع مرور الوقت.
تمر بعض الأندية اليوم بانتكاسات خطيرة واضحة ومريعة، ومع هذا ما زالت تتغنى بماضيها لإلهاء جماهيرها تارة، وللتلاسن والتباهي في وجه المنافسين تارة أخرى.
اليوم لم يعد الاتحاد يحمل شيئًا من اسم وتاريخ سطوته الفنية وقوته المالية. أما النصر فانحداره من القمة إلى الثامن دليل انهياره، وليس فقط تراجعه. وأوضاعه المالية والإدارية وكذلك انقسامات الشرفية تنبئ عن المزيد. الشباب هو الآخر رأيناه هذا الموسم باهتًا في شكله وأدائه ونتائجه، وحتى تعاقداته. في حين يعاني الهلال من افتقاره لهيبته وشخصيته؛ فبات فريقًا هشًّا، سهل الانكسار من صغير الفرق قبل كبيرها..
لهذه الأندية تحديدًا نقول: انسوا أهزوجة المونديالي والعالمي والزعيم والليث.. بطولات وأمجاد الماضي هي اليوم مجرد حكايات للتسلية، لا تقدم لكم ولا لجماهيركم ولا لحاضركم ومستقبلكم سوى المزيد من التخبط.. أعيدوا بناء وترتيب وتنظيم شؤونكم الإدارية والمالية والفنية.. تعاملوا مع واقعكم وليس مع أحلامكم، لا تصدقوا من يتلاعب بكم ليحقق لنفسه بطولات شخصية إعلامية هلامية على حساب أنديتكم ومشاعر جماهيركم المغلوبة على أمرها.
تعلموا من محمد علي
أجزم بأنه لم يحظَ نجم رياضي بإجماع العالم على محبته واحترامه والإعجاب به مثلما حظي به الأسطورة محمد علي كلاي - يرحمه الله -. وأجزم كذلك بأن شعبيته هذه لم يتحصل عليها لأنه فقط بطل في لعبة ليست جماهيرية كما القدم والسلة واليد والطائرة والقوى، وإنما لأنه شق لنفسه وبنفسه طريق الاعتزاز باسمه وهويته الإسلامية والالتزام بقيمه ومبادئه في عز نجوميته، وفي أكثر الدول تحررًا وانفتاحًا..
قد ينال النجم المال والصيت والشهرة الواسعة.. لكن من الصعب أن يكسب احترام الجميع بمختلف أعراقهم وألوانهم وأجناسهم وجنسياتهم ودياناتهم وانتماءاتهم. محمد علي وحده حقق هذه المعادلة رغم محاولات إسقاطه وتشويهه، والحروب الإعلامية العنصرية التي شُنت ضده في بداية نجوميته من قوى معروفة داخل أمريكا. كان - يرحمه الله - خير من عرّف بأخلاق وقيم وسماحة الإسلام.. ظل ينشرها وينادي بها في مواقف عديدة وحوارات ومقولات، نسأل الله أن تكون شاهدًا له عند خالقه.
محمد علي نموذج لمعنى وقيمة الشهرة، وكيف تكون الرياضة رسالة تستثمر لتكريس الأخلاق والمثل والمبادئ والتضحية والكفاح من أجلها، بدلاً من أن تكون طريقًا للضياع والدمار والخراب، ووسيلة للتعالي والحقد والكراهية والتمادي والتمرد وإفساد الذوق العام. محمد علي كان يحمل رسالة إنسانية للإصلاح، ونجح - يرحمه الله - في إيصالها مثلما أبدع وتألق في أداء لعبته؛ فصار من أبطال العالم الخالدة أسماؤهم. أتطلع وأتمنى من نجومنا الكرويين الذين أخذوا من الشهرة والمال والضجيج الكثير، ولم يقدموا لأنفسهم وأنديتهم ومجتمعهم غير الغرور والغطرسة وعدم الانضباطية داخل الملاعب وخارجها، واستعراض قصات وألوان شعورهم وموديلات سياراتهم وماركة ملابسهم.. أن يحذوا حذوه!