فائز بن موسى الحربي
عوداً على ما كتبته في العدد (13539) من جريدة الجزيرة الصادر في 4-11-1430هـ؛ وبعد مرور أكثر من 10 سنوات على دخول علم الأنساب في عصر الحمض النووي المعروف عالمياً بالـ DNA؛ فإنه من المناسب الوقوف عند هذه الظاهرة المثيرة للجدل، التي أصبحت تأخذ حيزاً كبيراً من اهتمام شريحة كبيرة من أبناء الوطن، لمعرفة آخر ما وصل إليه المشتغلون والمنشغلون في هذا الموضوع، والاطلاع على آخر ما تمخضت عنه المحاولات البحثية بعيداً عن النقاشات السطحية التي لا تخلو من التراشق بالعبارات القائمة على أسس عصبية، وليس على أسس علمية، وبعد أن مرت ظاهرة مشاريع تحديد السلالات العرقية عن طريق الـ DNA بمخاضات ومراحل من التناقض والتحولات الاستنتاجية، التي تشرّق بالأنساب تارة، وتغرّب بها تارة أخرى.
لقد كان الهدف من مقالي آنذاك لفت الانتباه إلى هذه الظاهرة التي تجتاح العالم الغربي، وتنتقل حُمَّاها إلى عالمنا القائم أصلاً على العصبية القبلية التي تتجاوز الحدود المقبولة دينياً وحضارياً، إلاَّ أنني بعد متابعة ومراجعة لما سبق نشره من دراسات ونقاشات حول السلالات العرقية؛ أعترف بأنني تسرعت في الأخذ بمقولة أن العرب يشتركون في السلالة J1 بنسبة 80 %، وأن السلالة E سلالة إفريقية، فقد اتضح أن العرب يتشكلون من عدة سلالات، وليسوا محصورين في السلالة المذكورة، وبات من الواضح أن السلالات J1 و E و T و J2 وكذلك g و C ، كلها سلالات قديمة في جزيرة العرب، وكلها تنتمي لها أرومات عربية عريقة، وأن السلالة J1 وما تفرع عنها سلالات عربية قديمة التمركز في اليمن والجزيرة العربية، ولها انتشار واسع في العراق والشام وآسيا الوسطى. وأنه ربما قدم بعض فروعها إلى الجزيرة في وقت لاحق، لتشارك في تشكيل السلالات المكونة للقبائل العربية.
أما السلالة E فقد اتضح أنها سلالة يمانية قديمة جداً، لا يقل عمرها عن 10.000 سنة، هاجرت شمالاً إلى أن وصلت فلسطين وحوض المتوسط، وتمددت إلى مصر، كما عبرت مضيق باب المندب، لتنتشر في شرق القارة الإفريقية ووسطها وشمالها. وأن القبائل العربية التي خرجت على هذه السلالة قبائل صريحة النسب تعود لتحور عربي جاهلي عريق يعود إلى 1.800 سنة تقريباً.
كما أن مما يجب التأكيد عليه؛ أن تنوع السلالات في القبائل العربية لا يعني عدم صراحة النسب، فقد ثبت أنه لا علاقة بـين نوع السلالة وصراحة النسب العربي، ولكن هذا التنوع يعطي دليلاً على أن جزيرة العرب وبلاد الشام كانت مهد الإنسان القديم، وإن انتشرت في بقية الأقاليم القريبة والبعيدة، كما زاد اليقين العلمي بأن العروبة جنس ولغة ومكان، لا جد محدد!!
وختاماً؛ فإني أهيب بالباحثين والمتحاورين في نقاشات السلالات الحمضية عدم التسرع في تبني نظريات معينة، وعدم الانتصار المتعصب لسلالة دون أخرى، وأن يمتثلوا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «كلكم لآدم وآدم من تراب»، وأن التفاخر في الأنساب مما نهانا عنه ديننا القويم، وأننا يوم القيامة سنسأل عن ثلاثة أشياء فقط: ربنا، ونبينا، وديننا.. وليس عن أصولنا وأنسابنا، والله ولي التوفيق.