أ. د.عثمان بن صالح العامر
الدَّينُ ظاهرة مجتمعية خطيرة، وهي ليست جديدة في حياة الأمم والشعوب، إلا أنها في زماننا هذا أخذت تتسع وتعمّ جراء تساهل شريحة عريضة من أفراد المجتمع السعودي بها، حتى صار الواحد منا يقترض لشراء الكماليات الحياتية أو من أجل أن يسافر مع عائلته خلال إجازة نهاية العام أو ... مما لا يخفى على القارئ الكريم، ليس هذا محل الحديث في هذا المقال، بل ما أردت الإشارة إليه هنا هو قضية «كتابة الدَّين بين المقرض قرضاً حسناً والمستقرض حتى لو كان من أقرب الناس».
لقد فصَّل القرآن الكريم هذا الأمرَ تفصيلاً دقيقاً في أطول آية بكتاب الله «آية الدَّين»لأهميته، ومع ذلك فقد يتضايق البعض عندما تطلب منه أن يوثّق القرضَ الحسنَ الذي منحته إياه تريد ما عند الرب عز وجل، وتطمع أن يفرّج لك- سبحانه وتعالى- كربة من كرب يوم القيامة، وغالباً ما يتهمك هذا المستقرض بعدم الثقة به أو المبالغة في الحرص، مؤكداً بكلمات تبعث الطمأنينة وتحرج المُقرض (لا تَخَف، ما ضايع لك شي، أسبوع وبالكثير شهر وهن عندك) وربما اتهمك في رجولتك وأخلاقك ونسب إليك عدم تقديرك للرجال، وغاب عنه قوله سبحانه: «...{ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ }...» في زمن كان الكاتب عزيزاً ولا يمكن أن تظفر به بسهولة ويسر كما هو الحال اليوم.
حتى على افتراض أن المُقرِض لم يطلب التوثيق والتحرير أو الإشهاد، المفترض أن المستقرض هو من يبادر إلى هذا الشيء، وإذا رفض واستنكف المُقرض كتب المستقرض كل ما له وما عليه في ورقة خاصة يحتفظ بها عنده، ومن هذا الباب جاء التأكيد النبوي الشريف لكتابة الوصية الشخصية: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا وصيته مكتوبة عنده» متفق عليه، وفي رواية لمسلم: «يبيت ثلاث ليال...»، تكتب أنني أخذت من فلان مبلغاً من المال، فأنت لا تدري متى يأتيك الأجل، وما الإعلانات التي نقرأها في الصحف من الورثة لتبرئة ذمة والدهم أو قريبهم المتوفى إلا بسبب التساهل في الالتزام بهذا التوجيه الرباني العظيم.
لقد تولد عن إهمال الكتابة كثير من القضايا التي تعرفها المحاكم وتدري عنها مكاتب المحاماة، وربما كانت بين الإخوة وأهل البيت الواحد للأسف الشديد.
الشيء اللافت أن هذا المستقرض المستغرب من كتابة الدَّين إذا أخذه من شخص يعرفه، هو ذات الرجل الذي يذهب للبنوك والشركات ويوقع على أوراق ومستندات عدة، وربما لم يقرأ شيئا مما ورد فيها حين يأخذ قرضاً بفائدة أو يستأجر سيارة منتهية بالتمليك أو يشتري مبنى يسكنه أو ... وقد يرهن المستقرض أغلى ما عنده عندما يأخذ من التاجر العشرة بعشرين !!!
أكتب هذا المقال بعد أن وقفت متأملاً في آية الدَّين (282 البقرة) فوجدت أن من الواجب التذكير بهذا التوجيه الإلهي الكريم (فاكتبوه)، دمتم بخير،
وإلى لقاء والسلام.