عبد الاله بن سعود السعدون
منذ إعلان البشرى التفصيلية للرؤيا الإستراتيجية للمملكة العربية السعودية حتى 2030 التي زفها أمير التحدي والطموح محمد بن سلمان آل سعود والموجهة للعالم بأجمعه حتى أصبحت المادة الإخبارية الأولى في كل وسائل الإعلام العالمي واهتم بها كل المحللين السياسيين والاقتصاديين لتمثيلها نقلة متطورة لعهد جديد ينتظر بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية.
لمواجهة التحديات التنموية للمرحلة القادمة والتي أطلقت عليها (رؤية المملكة العربية السعودية 2030) بعد أن أقرها مجلس الوزراء بجلسته التي عقدها برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله ورعاه-؛ لتمهد لانطلاق مرحلة جديدة من البناء التنموي والطموح الهادف إلى نقل المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة، وبما يليق بالموقع الريادي والقيادي للمملكة على الصعد العربية والإسلامية والعالمية عبر اعتماد خطة إستراتيجية بعيدة المدى «15 سنة»؛ بغية الارتقاء بالعملية التنموية فكرا وتطبيقا, بما يعزز حاضر المملكة، ويرسخ مستقبلها الواعد، ويحقق أهدافها في الابتعاد عن مفهوم الدولة الريعية باعتماد ميزانيتها على عايدات البترول والاتجاه كلياً إلى تنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات، وتوظيف مزاياها النسبية والتنافسية لما يخدم المواطن ويرفع من مستواه المعيشي ويعظم رفاهيته، وبما ينعكس إيجاباً على إنتاجيته وعطائه لوطنه ومجتمعه. انطلقت الرؤية من مكامن القوة في المملكة والمتمثلة بثلاثة مرتكزات، وهي:
أولا: المكانة الروحية للسعودية في العالمين العربي والإسلامي الناجم عن إيمان عميق بأن الدور الحضاري العربي والإسلامي للمملكة العربية السعودية ليس خياراً سياسياً وضعياً، بل هو مهمة سامية تشرفت بحملها عبر الأزمان والعصور منذ مهبط الوحي وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها، فهي مهبط الوحي ومنطلق الرسالة الإسلامية كانت ولم تزل وينبغي أن تبقى قائدة التصدي للضعف والعجز والتهاون ومنطلق الوحدة والنهوض والتطوير، والتنمية والتقدم، لا بل إن العرب والمسلمين في كل مكان يتطلعون إليها لإنقاذهم من الأزمات ودعمهم في الملمات، وذلك التطلع ليس بالضرورة مبنيا على عوامل مادية، وإنما نابع من عوامل روحية قبل كل شيء، فهي البلاد التي انطلقت منها قوافل المسلمين لتنشر الإيمان والخير والطمأنينة والأمان، والسلام وفيها الحرمين الشريفين: بيت الله الحرام قبلة المسلمين، والحرم النبوي الشريف, لذا فإنّ هذه المكانة التي تفرض توجه ملايين المسلمين إليها حجاجا ومعتمرين طوال العام، تمثل موردا اقتصاديا كبيرا قل نظيره، وميزة تنافسية ليس لها مثيل.
ثانياً: القدرات الاستثمارية التي ستكون المحركة لتنويع الاقتصاد وتحقيق الاستدامة الاستثمارية، حيث تتميز المملكة بتنوع ثري في مواردها الاقتصادية ناجم عن تنوع بيئتها الطبيعية فضلا عما تمتلكه من فوائض مالية متراكمة من عوائد الصادرات النفطية، مع تغذية الموازنة من عوائد استثمارات شركاتها الكبرى، والذي يعكس رشاد سياساتها الصناعية والمالية والاقتصادية، يضاف إلى ذلك استثماراتها في رأس المال البشري الوطني بحيث تخرج سنويا عشرات الآلاف من الطلبة والطالبات الجامعيين في شتى الاختصاصات تلقوا دراساتهم في أرقى الجامعات الأجنبية والوطنية ليسهموا في قيادة عملية التنمية والتحديث في بلادهم، منطلقة من إيمان عميق بأن قيمة الموارد المالية الوطنية تتعاظم حينما توجه لتطوير رأس المال البشري عبر برامج التعليم والتدريب والتأهيل وتشجيع الريادة والابتكار ومنح فرص متكافئة للجميع للحصول على التعليم والرعاية الصحية، وتأمين التدريب والضمان الاجتماعي للمحتاجين. كما أرست بنية أساسية متكاملة تضاهي البنى التحتية في أكثر بلدان العالم تطوراً.
مثلما أرست بنية علمية واعدة تضم طيفا واسعا من الجامعات والمعاهد التقنية ومراكز الأبحاث وبيوت الخبرة ومعاهد التدريب وغيرها. وطورت نظمها المالية والمصرفية لتصبح واحدة من أكبر قواعد المصرفية الإسلامية في العالم بالإضافة إلى المصارف التقليدية.
ثالثاً: الموقع الإستراتيجي للمملكة العربية السعودية بوصفها بوابة للعالم، تربط ثلاث قارات بعضها ببعض (آسيا وإفريقيا وأوروبا). فموقع المملكة الجغرافيّ المتوسط لدول الخليج والمُطل على البحر الأحمر والمسيطر على العديد من المنافذ البحرية المهمة جعل منها قوة سياسية واقتصادية كبيرة في المنطقة وفي العالم بأسره، فهي تقع في الجزء الجنوبي الغربيّ من قارة آسيا بمساحةٍ تبلغ أكثر من مليوني كيلو متر مربع وعدد سكان يقارب ثلاثين مليون نسمة، وبعمق حضاري بشري يزيد على مليار ونصف المليار من المسلمين في مشارق الأرض وغربها. وتعتمد رؤية المملكة على أربعة محاور رئيسة هي: العقيدة الإسلامية الوسطية والقيادة الحكيمة والمجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر.
وختاما لا بدَّ من القول إنه على الرغم مما شهدته المملكة في السنوات الماضية من إنجازات تنموية وبيئة استثمارية واعدة وتنوع اقتصادي مشهود وتشريعات ونظم جاذبة للاستثمار، إلا أن الرؤية الجديدة 2030 لا تركن إلى ما تحقق، بل تعد ذلك نقطة الانطلاق إلى أفق أوسع، لاسيما أنها تدرك الإيقاع السريع للمستجدات العالمية مما يتطلب الإسراع في وتيرة صياغة خططها وبرامجها وسياساتها التنفيذية، وبما يحقق التميز والريادة والسبق في الرهان الإقليمي والعالمي. تحية وإخلاصا وولاء ودعما لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مليكنا المفدى قائد السلام والطموح رجل الحزم والأمل وصانع النصر بعون الله وتوفيقه.