د. محمد عبدالله العوين
لا يختلف عاقلان على ضرورة مواجهة التنظيم الإرهابي «داعش» والسعي إلى اجتثاث جذوره من كل أرض عربية وإسلامية؛ بل من كل بقعة في العالم؛ لأنّ الفكر الذي بني عليه خطر على الإنسانية ومعول هدم للحضارات البشرية.
وموقف بلادنا نحو هذا التنظيم وما يشابهه أو يقترب منه أو ينهج نهجه من الجماعات الإرهابية واضح وحازم وفاصل، وقد واجهت الفكر التكفيري منذ بدأت أشواكه السامة في الظهور ومنذ بدأ ينشط ويستقطب ويكوّن خلاياه ويخطط لإرباك مسيرة الحياة في المملكة وإفساد علاقاتها الدولية وتشويه سمعة بلادنا، بإسناد ما يرتكبه من جرائم وموبقات إلى الإسلام الذي تتشرف المملكة بالدفاع عن نقائه، وتجتهد في إظهار صورته الحقيقية القائمة على إرساء قيم الحق والخير والعدالة والمحبة للناس أجمعين، والمتصالحة المتسامحة مع الديانات والثقافات الإنسانية.
لقد اضطررت إلى هذه المقدمة على الرغم من شح كلمات هذه الزاوية بعد التبويب الجديد للجريدة؛ للفصل بين موقفنا المعلن قيادة وشعباً - إلا من شذ - من التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها المسمّى بـ«داعش» وما يجري على أرض العراق وسوريا بعامة، وفي الفلوجة بخاصة من استهداف إجرامي من قِبل العصابات الطائفية الصفوية المسمّاة بـ«الحشد الشعبي» للمدنيين السنّة من تعذيب وحرق، وقد تسرب القليل - على الرغم من التحفظ الشديد - من صور كثيرة التقطها بعض المجرمين من مقاتلي الحشد بكاميرات جوالاتهم الخاصة توثق وقائع مريرة كالتعذيب بالتعليق والضرب والحرق بالنار وقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث، وهي وقائع ارتكبت بحق مدنيين من أبناء الفلوجة لا ينتمون إلى التنظيم الإرهابي، بل عانوا من شراسة وقسوة وإجرام التنظيم طوال سنتين ماضيتين، وعجزوا عن مقاومته كما عجزت حكومة العراق نفسها عن طرد التنظيم من مدينتهم، فوقعوا بين نارين، نار داعش ونار الحشد، وحتى من سُجل له فيديو مبايعة للتنظيم من زعماء أو أفراد القبائل لا يعبر في حقيقة الأمر عن اقتناع منهم بأفكار التنظيم الإرهابي ولا الإذعان له أو القبول بنهجه؛ بل وجدوا أنفسهم مرغمين على إعلان الخضوع للتنظيم كرهاً واضطراراً لا اختياراً.
لقد تكررت صور الاجتياح الدموي للمناطق السنية؛ كما حدث في تكريت وديالي، والآن تتجدد صور «الأرض المحروقة» في الفلوجة، فيتم هدم المدينة بالكامل ومساواتها بالأرض؛ لئلا يتمكن من بقي من أهلها من العودة إليها، وقتل وتهجير أبنائها بتهم شتى.
إنّ هذه السياسة الصفوية القائمة على استخدام فزاعة داعش لتطبيق نظرية «الإحلال والإبدال» وللتغيير الديموغرافي، قد أصبحت مكشوفة ظاهرة للعيان تفضح المخطط التآمري على المنطقة برعاية دول كبرى وبقيادة إيران وتنفيذ العملاء في دمشق وبغداد والضاحية الجنوبية لبيروت.