د. محمد عبدالله العوين
هل ستنحو الصحفية الورقية إلى أن يكتب كتابها مقالاتهم بحجم التغريدة في اتجاهها نحو التحديث ومراعاة ازدحام وقت القارئ بما لا يمكن أن يجد معه متسعا لقراءة المقال الطويل؟!
إنه زمن الوفرة والغنى الفاحش في مصادر المعلومة ؛ امتلأ الفضاء بمئات القنوات ، وامتلأت أجهزة الكمبيوتر بآلاف المواقع وبرامج التواصل الاجتماعي المتنوعة ، ويحار المتلقي أيها يختار وأيها يدع، ولربما اكتفى من بعض ذلك بشيء يسير يجد فيه متعة أو غرابة أو رأيا ينير له الطريق إلى حكم نقدي على أية ظاهرة مما تعج به الحياة السياسية أو الاجتماعية أو الدينية.
إن زمن السرعة كما يقال ؛ ونحن من جيل تعود على المقالات الطوال التي يجد فيها الكاتب ميدانا رحبا لإبانة الفكرة وتجليتها ومعاودة طرقها حتى بعد الإبانة والتجلية بالمترادفات من الألفاظ الرنانة المتتابعة التي لا تضيف على الأسلوب إيقاعا موسيقيا فحسب؛ بل توازنا وجمالا ومتعة وطربا ؛ فكأن الكاتب الأديب يترنم ويغني بالألفاظ والعبارات التي يحسن اختيارها ويتفنن في انتظامها ، أما وقد جار الزمان على كتاب المقال بأسلوبه الأدبي الذي لا يخلو من طراوة وحلاوة ومن توازن بين الجمل وترادف بين العبارات ؛ فإن الشكوى لله من هذا الزمان الجائر على الأدب وعلى الأدباء ، فلم يعد زمن الهدوء والتأمل والاستمتاع بجمال الأساليب قدر ما يتطلع القارئ فيه إلى زبدة الكلام وخلاصة الفكرة بعبارات مضغوطة وكلمات مرصوصة دون تزيين ولا تجميل، مستلهما «خير الكلام ما قل ودل»!
أما والأمر على هذا النحو ؛ فإنني آمنت بما أكرهت عليه مستسلما لضغوط رئيس التحرير على ضعف مني وعدم مقدرة على عصيانه ومجالدته، وقد جربت أن أدافع عن نفسي قدر ما استطعت؛ فتنازلت مكرها على غير رضا ولا قناعة؛ ولكن هزيمة وفقد معين ؛ من ألف كلمة إلى ثمانمائة ، ثم إلى ستمائة، ثم إلى خمسمائة، ثم إلى ثلاثمائة وخمسين!
يا للهول؛ إن هذا الرقم هو التمهيد للدخول في فكرة المقال!
كنا زمن المقال الطويل نداري ونواري في النقد ؛ لكي لا نجرح، أما اليوم فلا بد أن نكتب على المكشوف! لا مساحة كافية للمداراة؛ بل: قل كلمتك وامش!
حتى لو كان الضرب تحت الحزام!