د. محمد بن إبراهيم الملحم
من حسنات النظام التعليمي في بلادنا الحرص على وصول الخدمة لأطفال كل مواطن أبناء وبنات سواء في المدن أو الهجر البعيدة وهو فيض من كرم حكومتنا الحريصة على نشر العلم وإيجاد المواطن الصالح من خلال التعليم. مشكلة التعليم في الهجر لها أبعاد متنوعة سأركز على ثلاثة منها وأقدم الحلول.
أولا: سفر المعلمين والمعلمات، إما مسافات شاسعة وتعرضهم للحوادث أوعبر طرق وعرة وتعرضهم للمخاطر، الأمر الذي نجم عنه نظرة سلبية للتدريس في الهجر مع عدم وجود تعويضات مالية لمن يعمل في هذه الأماكن البعيدة وبالتالي لا يقبل على العمل إلا المضطرون وهم غالبا فئة المعلمين المعينين حديثا.
ثانيا: نجم عن ذلك ضعف الأداء غالبا في تلك المدارس لحداثة المعلمين ولانتقالهم للمدن وقدوم مستجدين آخرين بشكل مستمر فأصبح طلاب هذه الهجر محطات تجارب وتعلم بالنسبة للمعلمين فلم يتحقق عنصر المساواة مع أقرانهم طلاب وطالبات المدن. دع عنك تأخر وصول المعلمين إلى المدارس مع بداية العام لأسباب التعيينات الجديدة وتوجيه المعلمين وما إلى ذلك من الإجراءات فلا تبدأ الدراسة فعليا إلا بعد شهر أو أكثر في بعض الأحيان. وحتى في حال استمرار المعلم أو المعلمة في هجرة ما فإن خدمات التدريب والإشراف التربوي التي تصلهم محدودة جدا مما لا يوفر لهم عامل الخبرة الذي يتوفر لأقرانهم القريبين من مراكز التدريب والذين أيضا تتكرر عليهم الزيارات الإشرافية، وفوق ذلك هم يتفاعلون في نفس المدرسة مع معلمين ومعلمات قدامى لهم باع في الخبرة فيتعلم منهم المستجدون وتصقل خبرتهم سريعا.
ثالثا: نظرا لصغر بعض الهجر النائية وكون عدد طلابها لا يحقق الحد الأدنى المطلوب لافتتاح مدرسة فإنها تضطر إلى تسجيل طلابها بمدرسة أقرب هجرة والتي قد تبعد أحيانا 10-20 كم في الأعم الأغلب، وهذا التنظيم له مبرراته المنطقية باعتبار تكلفة فتح مدرسة جديدة يجب أن تكون ذات مردود مقبول في نسبة من يتعلمون فيها، وحيث إن العنصر الأعلى تكلفة هو رواتب المعلمين (فلا تقارن بما يصرف للمبنى والتجهيزات) وهي نسبة قد تصل إلى 90 % من إجمالي تكلفة المدرسة السنوية فلا يمكن أن نتصور مدرسة ابتدائية مثلا بها 5 - 7 معلمين بالتخصصات المختلفة مع مدير لأجل عشرة طلاب!
بل إنه بعد إنشاء مدرسة واستمرارها لسنوات ثم تناقص عدد الطلبة بها تدريجيا بسبب حركة العائلات بين الهجر أو بين الهجرة والمدينة فإن تلك المدرسة تتعرض للإغلاق حسب النظام إذا قل عدد الطلاب عن الحد الأدنى المقرر لها. وهذه الحالة أو حالة تعذر افتتاح مدرسة أصلا تفاقم من مشكلة الأمية خاصة في جانب تعليم البنات، إذ إن توصيل الطالبات لأقرب هجرة قد لا يهتم به ولي الأمر فيكتفي بما درسته من 3 أو 4 سنوات ويفضل جلوسها بالبيت.
3 مشكلات معا... فما الحل؟ سأطرحه في المقال القادم.