د. حمزة السالم
من تعامل مع الشركات الأجنبية، ستراه مُعتاداً على توقيع معاهدات عدم إفصاح واتفاقيات، مكتوبة باللغة الإنجليزية. وفي الأسبوع الماضي كان عليّ أن أوقع على إحداها. ويا الله كم أكره هذا، نظراً لما تحمل هذه العقود من مصلحات لغوية لها معاني خاصة في القوانين الأجنبية، تختلف من بلد لبلد ومن ولاية لولاية.
وقد سهّل الله لي مُعيناً نبيهاً يعمل معي، فأوكلت إليه فحص الاتفاقية لكي أعود أنا فأبدأ من حيث انتهى هو. فكان من ملاحظاته الذكية التي لاحظها على المعاهدة، شرط فاسد الاعتبار. وهو جعل المحاكم البريطانية المرجع للاحتكام عند الاختلاف.
فكانت ملاحظته صفعة نبهت في النفس العزة الوطنية التي كانت خاملة بسبب البلادة التبعية التي ورثناها ثم اعتدنا أنا وغيري في اتباعها عند التعامل مع الشركات الأجنبية.
فقد استفز الفطرة، فاستنهضت نصرة الوطن والاعتزاز بقومي.
ويذكرني هذا بموقف سيد الشهداء، عم رسول الله، حمزة بن عبد المطلب عندما رجع من الصيد وقد علم أنّ أبا جهل قد اعتدى على ابن أخيه. فما إن رأى حمزة أبا جهل في المطاف مقبلاً إليه ليشكو إليه ابن أخيه محمداً، طامعاً الخبيث في انحياز حمزة المعروف لقريش، قابله لاطماً فشجّ وجه عدو الله بالقوس أو بالرمح. وقال: «أنا على دينه أقول ما يقول فردها عليّ إن استطعت». فقد أيقظ اعتداء أبي جهل على ابن أخيه نخوة أسد الله ورسوله، فاستنهضت فيه النصرة لابن أخيه وقد كان غافلاً - رضي الله عنه - ، عن ذلك قبلها رغم أذية قريش له عليه السلام.
فشبيه بحال حمزة بن عبد المطلب كانت حال حمزة بن سالم الأسبوع الماضي. فقد استفزني الاعتداء على قضاء بلادنا، باشتراط غيره ليكون حكماً في أمر قد أظلته الديار السعودية.
فما كان جوابي حرفياً لا شعورياً إلا « ما يخسى ويعقب إلا هم» ثم أمرت بإلغاء كل شيء، وبأن لا تكون هناك أي معاهدة أو اتفاقية إلا باللغة العربية، فهي لغة البلاد الرسمية وهي لغة ديارنا التي سيقام عليها المشروع. وهم الذين أتوا يرجون فضلاً ومعاشاً عندنا، فهم في منزلة الدونية التبعية لا نحن. فكيف وقد وصل بهم تجرؤهم بأن يشترطوا محاكم لندن مرجعاً للحكم فيما نختلف فيه في بلادنا.
وما زادتني بعض الحجج السافلة إلا تصلباً، كقولهم محاكم لندن أعدل لنا. وكذبوا والله، فما أعدل وأصدق من قضائنا. إنما المغفل الذي اغتر بلغته الأجنبية، فقام يوقع على اتفاقيات لا يدرك أغوار دلالاتها القانونية. وثم يعود بعد أن جنت عليه بلادته في قضيته، فيزيدها بلادة في تقديم قضيته لقضائنا. ثم إذا حكم قضاؤنا بما رأى من معروض عليه، قام البليد فلام قضاءنا.
هذه مشاريع بلادنا، لنا نحن اليد الطولى والعليا فيها، فلا يغلبنا الأجنبي بضعف عقولنا فننقاد له. نحن أعلم ببلادنا وبلغتنا ونحن أقدر على بيان الحجة لقضائنا.
من رضي بلغة بني الأصفر ومحاكمهم عن لغة بلاده وقضائه، فليرض بهم لتجارته ومقاولاته، فالبلاد غنية عنه، وإن زعم خللاً فأما كف يد ، أو إصلاح بمعروف، لا الإفساد. فما أعظم إفساداً من قبول لسان بني الأصفر لغة في العقود، وبالرضى بإقامة قضائهم ليكون حكماً عندنا.