يوسف المحيميد
مهما كتبنا عن جرائم حرب الشوارع، والإرهاب الذي يمارسه البعض، لن نفي هذا الموضوع حقه، ولن نتوقف ما لم تتخذ إجراءات واضحة وصارمة بحق هؤلاء، فليس معقولاً أن يُرتكب في شوارعنا أكثر من نصف مليون حادث خلال عام فقط، ويذهب ضحيتها ما يزيد على ثمانية آلاف قتيل، هذا أمر لا يصدق، يجعلنا كلما خرجنا من منازلنا، وصعدنا مركبات الموت، نتشهد مراراً، ونكتب وصايانا قبل أن نذهب إلى قتال الشوارع!
قبل أيام انتشر مقطع فيديو في مدينة جدة، عن سائقين يناوران بسيفي التهور والجنون، كل منهما يحتجز الثاني كي لا يتجاوزه، حتى ارتطم أحدهما بالآخر، واختل توازن سيارتيهما، فانقلبتا ببساطة، وكأنما نحن أمام مشهد لعبة إلكترونية، فلم أشهد في حياتي رعونة وتهوراً أكثر من ذلك، كأنما السيارات ألعاب بأيديهم، وكأنما البشر مجرد دمى، لا يعني ما يحدث لهم!
إنّ التقرير الجديد الذي نشرته الإدارة العامة للمرور، يكشف أن الخلل كبير، ولابد من التدخل على مستويات عليا، فلا تكفي اجتهادات المرور ومحاولاته البسيطة، لأنّ الأمر تحول إلى أمن وطني، والحفاظ على حياة المواطنين والمقيمين هو مسؤولية الدولة بشكل مباشر، فمن حقها اتخاذ مختلف الإجراءات التي من شأنها إيقاف المجزرة اليومية في شوارعنا، أياً كانت هذه الإجراءات، حتى لو كانت تبدو مرهقة لجيوب المواطنين، وحتى لو كانت قاسية بسحب رخصة القيادة أو سحب المركبة، أو حتى السجن!
صحيح أن الحملات التوعوية مهمة للغاية، ونشر تقارير عن المشلولين بسبب حوادث السير، وعن الموتى بشكل يومي، من أجل اتعاظ المشاهد، ولكن ذلك لا يكفي، نعم لا يكفي أبداً، فلا بد من انتشار كاميرات المراقبة في كل مكان، وعلى مسافات متقاربة لرصد جميع المخالفات، فكاميرات ساهر القديمة لم تعد تجدي، ولن تحقق الهدف، خاصة مع معرفة المتهورين مواقعها في الشوارع، وهذا النوع من كاميرات المراقبة نجحت في الدول الأوروبية، خاصة أنها ترصد جميع المخالفات والجرائم، بما فيها المخالفات المرورية.
ولابد من مضاعفة الغرامات المالية على المخالفين، لأنّ ذلك يجعل المرء يفكر كثيراً قبل أن يرتكب المخالفة، خاصة إذا كانت تهز جيبه، وميزانيته الشهرية، وهذه التجربة نجحت في الدول المجاورة، صحيح أن البعض سيصيح ويولول في مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه سيهدأ كثيراً في الشوارع، خاصة إذا كانت هذه الغرامات المضاعفة مصحوبة بنظام رقابي كفء، في شوارع المدن الرئيسة.
هذا التحرك الذي ننتظره، ونأمل المبادرة فيه على أعلى المستويات، سيترك أثره الإيجابي حتماً، وسيقلل كثيراً من الحوادث المرورية التي التهمت شبابنا، وجعل معظم البيوت عرضة لها، من بين من خسر روحه، أو خسر صحته وحياته الطبيعية، أو خسر ماله.