خالد بن حمد المالك
تتميز شخصية سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالذكاء والثقافة الواسعة والذاكرة القوية والإلمام الحاضر في ذهنه بكل التفاصيل عن التحول الذي تمر به المملكة، وأنه لمَّاح لا يحتاج إلى من يذكره أو يتذاكى عليه، حيث يحسن الإمساك بكل أدوات ومتطلبات الحوار بقوة أمام من يتحاور معهم، فيبدو الأمير الشاب أمام الطرف الآخر متحدثاً ومقنعاً عن معرفة وعلم وفهم، ويقول لمن يتحاور معهم بشخصيته المؤثرة، ورؤاه المقنعة، وإجاباته ومداخلاته ما يجعل من كلامه موضع الاحترام والتسليم لدى الآخرين.
* *
ومنذ أيام وإلى اليوم، حيث يتواجد سموه في الولايات المتحدة الأمريكية، ويلتقي برموز السلطات في أمريكا، وبمؤسساتها التي تصنع السياسة العالمية وليس السياسة الأمريكية فقط، فيتحدث معهم بهدوء وثقة، وأسلحته التي يحملها ويستخدمها في كل لقاءاته، الصدق، والوضوح، والمعلومة الصحيحة، بما لا يمكن لمن قابلهم بدءاً من رئيس أكبر دولة في العالم ومروراً بكل القيادات الأمريكية المؤثرة أن يقللوا من شأنها، أو يحاولوا الالتفاف عليها.
* *
يعرف الأمير القادم لأمريكا أن الرياض وواشنطن ليستا متفقتين في كل شيء، فهناك تباين معلن في وجهات النظر في بعض القضايا، رغم ما يجمعهما من توافق في مواقف كثيرة ومهمة، فالمملكة لا تتنازل عن موقف يرتبط بمصالحها، ولا تفرّط بسياسة لا تخدم مواطنيها، ولا تتهاون في أي تطور يمس أمنها واستقلالها، لكنها في مقابل ذلك تحتفظ بعلاقاتها الثنائية باحترام والتزام منها مع جميع الدول الصديقة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي وإن تباينت المواقف بينهما في أي قضية، فما يجمع بين الدولتين على امتداد التاريخ أكثر مما يفرقهما.
* *
والأمير محمد بزيارته المهمة في هذا المنعطف الدقيق من التطورات في منطقتنا والعالم، اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، إنما ينقل للأمريكيين الموقف السعودي الإيجابي في تعاونه مع أمريكا ودول العالم لخلق بيئة من التعاون الذي يخدم الشعبين الصديقين، وخاصة في المجال الاقتصادي، بما يلبي وينسجم مع الرؤية 2030 ويستجيب ويتناغم مع تطلعات التحول الوطني 2020 اللتين يقودهما الأمير محمد بن سلمان بدعم ومساندة ومتابعة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن نايف، حيث لوحظ كثافة لقاءات الأمير وتنوعها، تلك التي ظل يجريها في واشنطن مع كبار المسؤولين عن السياسة والاقتصاد قبل توجهه أمس إلى سان فرانسيسكو في محطته الثانية من هذه الزيارة.
* *
إذن فزيارة الأمير محمد بن سلمان لأمريكا، واجتماعاته المكثفة والنوعية مع المسؤولين، سوف تشكل منعطفاً جديداً في تطور العلاقات السعودية الأمريكية، وستزيد من فرص التعاون وخاصة في مجالات الاستثمار، وفق تنظيمات وتسهيلات تم إقرارها في الزيارة التاريخية الأخيرة التي قام بها الملك سلمان بن عبدالعزيز لأميركا، وتجيء زيارة ولي ولي العهد هذه لتترجم زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى واقع وتنفيذ في ظل التطورات الكبيرة والحراك المهم الذي تمر به المملكة الآن، ما يعني أننا أمام مساحة أكبر للتعاون مع أمريكا، وأمام فرص أوسع مما كان في السابق لجذب رؤوس أموال أمريكية ودخول شركات عملاقة للاستثمار بالمملكة، بشروط مشجعة ونتائج إيجابية كثيرة لكل من طرفي هذا التعاون المنتظر، وستتضح تفاصيل أكثر بعد أن يستكمل الأمير الشاب مع مضيفيه مناقشة جميع الأفكار التي يحملها، وبعد أن يختتم زيارته منهياً بحث كل الملفات التي حملها معه إلى واشنطن وسان فرانسيسكو ونيويورك.