عبدالعزيز السماري
من أهم العوامل التي تقود إلى التشكيك في الأنظمة المعلنة، الاكتشاف لاحقاً بأن قواعدها تخترقها الاستثناءات الخاصة، وأن لها تطبيقات يحكمها الميول وتديرها العاطفة، وعادة إذا كان هناك تجاوزات في الاستثناءات في الأنظمة السابقة، فإن الإيمان بالأنظمة الجديدة يصبح مثاراً للشك، ومجالاً خصباً للتندر والظرف، وهذا ما يعتبره البعض دافعاً وتهديداً للتشكيك في المشروع الأخلاقي برمته.
على سبيل المثال تم الإعلان عن تطبيق نظام لمكافحة الفساد في السابق، ثم اكتشف المجتمع بعد سنوات أن قاعدته كانت الاستثناءات، وأن تطبيقاته كانت خاصة، وتم تعطيل قدراته العامة بقانون الاستثناءات الأقوى، وكان مصيره في نهاية الأمر أن أصابه داء الهزال ثم تعطل، لكنه مع ذلك بقي في ذاكرة الإنسان العادي، وعادة ما تكون لفشله آثار خطيرة، من أهمها التشكيك في تطبيقات الأنظمة الجديدة، بسبب ضعفها أمام قانون الاستثناءات.
لفت نظري قبل سنوات جملة عابرة لأحد المفتين، وذلك عندما ذكر أنه يقدم فتاوى خاصة لبعض الشخصيات المختلفة، وأنه عادة يشير إليهم بعدم نشر الفتوى لأنها خاصة، ولا تصلح أن يطلع عليها العوام في المجتمع، وقد عُرف عن هذا النظام الأخلاقي العجيب، بالتحوط، وقد كان المنهج يؤمن بتوسيع دائرة الحرام على العوام، عبر بناء حائط يتداخل كثيراً في منطقة المباح، وهو ما يمنحهم سيطرة أكثر، وسعة أكبر لتصدير الفتاوى الخاصة جداً لمن هم خارج تلك الدائرة.
صدر مؤخراً نظام رسوم الأراضي البيضاء، وكان هدفه المعلن إنهاء احتكار الأراضي، وذلك برفع التكلفة على الذين يملكون أراضي بيضاء شاسعة، وبذلك يضطرون لتطويرها ثم بيعها، وتكون النتيجة توفير مزيد من الأراضي في السوق، وبالتالي يسهل على البعض شراء أرض لبناء منزله الخاص، لكن مع ذلك يتوجس الكثير من حقيقة تطبيق النظام الجديد، فالتطبيق إذا لم يشمل الجميع بدون استثناء، سينهار مثلما تداعى قبله نظام مكافحة الفساد.
ولهذا يتبادر السؤال الأهم عن كيفية التعامل مع خطر انهيار المنظومة الأخلاقية في المجتمع، وهل ندرك خطورة ذلك؟، وربما شهدنا كثيراً في العقود السابقة انهيارات وتصدعا متواليا في جدار التحوط الديني الشهير، وكيف تداعى بسبب نظام الاستثناءات الخطير، وكيف بمرور الزمن تحولت المحرمات القطعية قبل جدار التحوط إلى حلال بين، وكان لزيادة درجات الوعي دور كبير في ذلك.
قبل الإجابة عن السؤال علينا أولاً أن نرى الصورة الكبرى، وأن ندرك أن الاستثناءات غير المبررة نظامياً وبشكل معلن وواضح وصريح، تكون بمثابة الحكم الصادر بقرب فشل النظام الجديد على المستوى القريب، وعلى المستوى الأبعد تكون بمثابة الانهيار الأولي لتلك المنظومة الأخلاقية، ولهذا يحتاج المجتمع في هذا العصر إلى كثير من الشفافية في هذا الشأن، وذلك من أجل رأب تصدع الأخلاق في المجتمع، وإعادة الثقة إليها قبل فوات الأوان.
عندما يتم إصدار أنظمة لمحاربة الفساد، أو لمنع احتكار الأراضي، أو لرفع أسعار الخدمات، فإنه يجب وجوباً لا رجعة عنه أن يصاحبها قدر كبير من الشفافية، وذلك بإصدار التفاصيل في تطبيقات النظام، وبفتح الباب أمام المختصين للاطلاع على الأنظمة، وكيف تُطبق على الجميع بدون استثناء، ولو كان هناك استثناءات إنسانية لوجب توضيحها نظامياً، ولو حدث ذلك لأعدنا كثيراً من الاحترام لمنظومتنا الأخلاقية، ولربما أوقفنا انهيارها في المستقبل، والله ولي التوفيق.