خالد بن حمد المالك
ما زلنا نحوم حول النتائج الكبيرة التي حققتها وتحققها زيارة ولي ولي العهد للولايات المتحدة الأمريكية، ونقتبس منها إضاءات لما يمكن أن تكون عليه المملكة في المستقبل القريب، فالأمير الشاب الذي يتقن فن الحوار، ويتمتع برصيد غير قليل من الثقافة والعلم، ويمتلك بين يديه قدرة الحديث عن رؤية تمثل خريطة طريق لمستقبل المملكة القادم، أمكنه بهذه الأسلحة أن يقنع الأمريكيين بأن يستثمروا بتوسع بالمملكة، بعد أن تأكَّد لديهم أنها بيئة آمنة ومستقرة، وأن لديها ما لدى غيرها من الفرص الاستثمارية القوية.
* *
والزيارة لم تقتصر على جذب رؤوس أموال أمريكية كبيرة للمشاركة في إقامة شركات ومؤسسات ومصانع في المملكة تحت مظلة رؤية المملكة 2030، فقد ناقش ولي ولي العهد مع وزير الدفاع الأمريكي التعاون العسكري بين البلدين، ومراجعة التعاون القائم ضمن المباحثات التي تواصلت بينهما، كما كان للعلاقات الدبلوماسية وما يرتبط بها من تفرعات وقضايا موضع اهتمام وتركيز في المباحثات التي تمت بين الأمير محمد والوزير كيري، ومثلها الاجتماع المهم الذي عقده ولي ولي العهد مع الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون في أعقاب تورط الأمم المتحدة باعتمادها على مصدر واحد في بيانها الأخير حول الوضع في اليمن.
* *
وضمن جدول زيارة سموه حرص على أن يلتقي بالطلاب السعوديين المبتعثين للدراسة في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، والاجتماع أيضًا بالسعوديين الذين يعملون في شركات أمريكية، أي أن مباحثاته مع الأمريكيين لم تشغله عن الاهتمام بالسعوديين الذين يدرسون أو يعملون في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد حرص على أن يجتمع بهم، ويتعرف على أحوالهم، ويكون عونًا لهم في غربتهم.
* *
ومع أن الزيارة لم تنته بعد فقد تم إنجاز الكثير مما كان هدفًا لزيارة ولي ولي العهد، ولا تزال الفترة الزمنية المتبقية للأمير في أمريكا قادرة على تفكيك كل المعوقات، وتطويعها لصالح المملكة، بإغراء الأمريكيين بما سيتحقق لهم من عوائد ربحية خلال هذا التعاون، فكل شيء واضح، وكل الملفات بها من التفاصيل ما يكفي لأخذ القرار المناسب من الطرفين، بما لا يمكن لنا إلا أن نكون متفائلين في استقطاب الأمريكيين للمشاركة في إنجاح الرؤية 2030 وما انبثق عنها من برامج للتحول الوطني 2020.
* *
ويبقى الإرهاب (داعش وغيرها) موضع قلق الجانبين، ولا بد أنه أخذ من الوقت ما يترجم لماذا كثافة الحديث عنه سواء من الأمير والرئيس، أو من بقية القيادات في واشنطن والرياض، ومعه الاهتمام المشترك - من الجانبين - بالوضع في سوريا واليمن والعراق، مع حضور التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية في مباحثات الأمير مع كل من التقاهم من القيادات الأمريكية، ومثل ذلك هناك حزب الله الذي يعطل انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، ويحول دون استقرار هذا البلد الجميل، وهو سلوك ما كان يمكن لإيران أن تقوم به لولا أنها توظف مثل هذا الحزب وغيره لفرض أجندتها من خلال عملائها.
* *
والزيارة شهدت لقاءات جانبية بين الوزراء والمستشارين من الجانب السعودي، ومثلهم من الجانب الأمريكي، حيث عرض كل جانب ما لديه من أفكار ورؤى، في أجواء مفتوحة، للوصول إلى قواسم مشتركة تخدم المملكة وأمريكا، خاصة بعد السماح للأمريكيين لزيارة المملكة بفيز مدتها خمس سنوات، والسماح للأجانب بالتملك كاملاً لأسهم المنشآت التي ينوون أن يستثمروا بكامل رأس مالها، وكل هذه محفزات لفتح الأبواب أمام دخول المستثمرين الأمريكيين لأسواق المملكة.
* *
لكن يجب علينا ألا نستعجل النتائج بما تم الاتفاق عليه مع الأمريكيين، فمثل هذه المشروعات الكبيرة تحتاج إلى كثير من الوقت لتنفيذ خططها وبرامجها، في مقابل التركيز على المشروعات ذات العائد الربحي الكبير، حتى ولو كلف ذلك مزيدًا من الوقت وكثيرًا من المال، طالما أن ذلك يصب في النهاية في جودة الإنتاج، وبالتالي زيادة الطلب، ومن ثم ارتفاع نسبة الربحية وعوائد الاستثمار في هذا المشروع أو ذاك.
* *
باختصار، لا بد أن نتعامل مع زيارة الأمير محمد بن سلمان على أنها حلقة في سلسلة زيارات أخرى مهمة قام بها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، مثلما قام بها ولي ولي العهد، ما يترجم لنا أن خطوات المملكة محسوبة وواضحة في رؤيتها وتحولها الوطني، بما يجعلنا على ثقة في مشروعنا الطموح الذي سيغير أشياء كثيرة في البلاد.