د. خالد محمد الصغِّير
أحمل اعتقاداً لا أشك ولو للحظة أن الجميع يشاركني إياه والمتمثل في أن المرأة هي عماد وأساس العالم؛ فهي المصدر والأساس لكل شيء؛ فمتى كانت المرأة حاضرة بصورتها الإيجابية كان لذلك انعكاس ربيعي على محيطها، ومصدر يمنحها محبة وتقدير وإجلال كل عضو في محيطها هذا، ولكنها متى ما حضرت بشكلها السلبي أحدثت انعكاساً مقفراً صفراوياً على محيطها يمنحها بامتياز عدم محبة واحترام وتقدير كل من يرنو إليها ويتطلع لمنحها نبض قلبه وعقله في عالمها الصغير. فما هي هذه الفضاءات التي تسبح فيها المرأة بوجهها السلبي مفسحة بذلك بصنع يديها مساحة تجعل الآخرين لا يكنون لها المحبة التي يستحقها الوجه الحاني الرقيق، والنصف الآخر لكوكبنا؟.
أولى هذه الفضاءات التي تخفق المرأة في الإبحار فيها تكمن في عدم إبداء قدر من الاحترام والتقدير المستحق لنصفها الآخر أباً كان، أو أخاً، أو زوجاً، أو ابناً، وغيرهم آخرون. فهناك الكثير من النساء لا يُبدين أية قدر من الاحترام للرجل من دون أدنى سبب يذكر، أو بشكل أكثر دقة من دون سبب مقنع يمنح المرأة حق عدم إعطاء الرجل ما يستحقه من التقدير والاحترام.
وربما أن بعض النسوة ينطلقن في ذلك من مبدأ المعاملة بالمثل، أو من باب رد الدين؛ فالرجل نفسه لم يبادر بصنع ذلك ومن هنا فأنا كما يقول لسان حال الكثير منهن مجبرة على القيام بالصنيع نفسه. نحن هنا نتحدث عن حالة المرأة التي لا تمر بهذه الوضعية، وإنما نرمي إلى تلك التي نالت حقها من الاحترام والتقدير، ولكنها آثرت أن تقابله بالنقيض من دون مبرر مقنع، وبدواع لا ترتقي بأن تجعلها تغلق بإحكام باب الاحترام لوالدها، وأخيها، وزوجها، وولدها. والنتيجة الطبيعة في ظل ذلك أن المرأة لا تنال ولا تُمنح المحبة التي تنتظرها من نصفها الآخر، الأمر الذي يبعث على إهمالها، وتجاهل مشاعرها، وطموحها، ورغباتها.
وثانيتها عندما تحاول الخروج من جلباب الأنثى لتتحول إلى رجل في جلباب امرأة بمطالبتها بممارسة الأدوار التي يؤديها الرجل ولو كان ذلك على حساب أسرتها، ومن غير حاجة ملحة تدعوها إلى ذلك. فهي تريد أن تكون مستقلة بكل شيء مع أن الظروف المحيطة تمنحها كل ما تريد، ولكنها تريد الخروج، والعمل، والمشاركة بكل الأنشطة الاجتماعية، ولو كان ذلك على حساب أسرتها، وتوفير جو أسري دافئ يسهم في تنشئة صالحة تمنح الوطن مواطنين ذوي سواعد فاعلة تسهم في بناء لبنات تنميته الدائمة.
كل ذلك ممكن ولا خلاف عليه، بل ومن حقها، ولكن الواقع يشهد أن تلبية هذه الرغبة لذاتها فقط تأتي نتائجه على حساب رب الأسرة وأفرادها الذين يتركوا في معظم الأحوال للخادمات لترعى شؤونهم وتلبي طلباتهم. ومن هنا تتباعد المسافات، وتبنى العقبات التي تحول دون محبة المرأة وتقدير دورها العظيم الذي كان من الممكن أن تقدمه لأعضاء أسرتها التي انشغلت عنهم ولهثت دون كلل أو ملل خلف طموحها وأحلامها فقط دون الأخذ في الحسبان الظروف المحيطة، والنظر من خلال نافذة تقديم الأهم على المهم.
وثالثتها إصرار الكثير من النساء على أن مهمتها الرئيسة تتمحور حول إحداث تغيير، ونقلة نوعية في صفات الرجل وأخلاقيته. وهذا يستنزف حيزاً من طاقتها التي يمكن صرفها تجاه أمور أهم وأجدى في علاقتها مع نصفها الآخر، ويعمل في الوقت نفسه على فتح قنوات شقاق، وفرقة، وتنافر معه، وبخاصة أنها مهمة خاسرة على جميع الأصعدة، كما أنها ليست المهمة الرسمية التي يجب أن تكون محور اهتمام المرأة في علاقتها مع الرجل. المرأة وبخاصة المتزوجات اللاتي ليس من أولوياتهن العمل على تغيير سلوك أزواجهن، وإنما محاولة التعايش مع الصفات الإيجابية التي يتحلى بها وإن لم ترق لها، ومحاولة إقناع شريك حياتها بخطأ المنهج والسلوك الذي يتبعه، ومساعدته إن دعت الحاجة لمحاولة التغلب على ذلك المسلك غير الإيجابي؛ لأن التغيير يجب أن يأتي بمبادرة ذاتية من الرجل نفسه، وليس بطلب من الزوجة. ولذا فإصرار الزوجة على أن هذه هي مهمتها الرئيسة يمنح الرجل سبباً لعدم محبتها.
ورابعتها اعتقاد المرأة الجازم أن الرجال كلهم سواسية في الاتصاف بعدد من السلوكيات والأخلاق غير الحميدة التي دوماً ترددها النسوة في جلساتهن متى ما التقين ببعضهن البعض الآخر حيث يبدأ الموال المعتاد بوصم الرجال كافة بذات الصفات والأخلاق فهم أنانيون، وعديمو الضمير، وبلا رحمة، ودائما يحبون أن يأخذوا وليس لديهم روح المبادرة والعطاء، وليس لهم أمان، والقائمة تطول على السارد. وهذه الاعتقادات تتناقلها النساء وتتداولها في كل حين ووقت، ويعملن من خلال منطلقاتها ورؤاها وكأنهن بذلك يرين أن شقائقهن الرجل خطيئة ارتكبتها أمهاتنا. وهن بهذا الاعتقاد يبنين حاجزاً منيعاً يحول بين ولادة مشاعر للمحبة والمودة بين قطبي الرحى في كوكبنا، الرجل والمرأة.
وخامستها المرأة التي تحب الاتصاف بالجمود الذي تترجمه بعدد من الصفات المترابطة ببعضها البعض؛ فالتجديد مفردة غريبة في حياتها، بل إنها تكرهها وتنفر منها متخذة في معظم الأحوال من الانشغال في أعباء المنزل، والأبناء، والمطبخ، والعمل، وربما أمور أخرى عذراً يمنعها من البحث عن التغيير في ذاتها، وفي نمط حياتها. وذات الصفة - أعني الجمود - يجعلها تنأى بنفسها عن البحث عن متنفس جديد، وفكرة تكسر من هاجس الروتين المعتاد الذي يلف حياتها وحياة من حولها، حتى أضحى يومها مثل أمسها، ونفس غدها الذي لم تظهر شمسه بعد، كما أنها تقاوم التغيير، وتضع أمامه العقبات، وتتحاشى القيام بأية مبادرة، كل ذلك لأن الجمود ساكن بقوة في ذاتها. ومن هنا فهي تمنح شقيقها الرجل فسحة في عدم خلق مشاعر جياشة تجاهها.
وخاتمة الصفات السلبية التي تختار الكثير من النساء الاتصاف بها مما يحول بينها وبين إبداء قدر من الإجلال والاحترام الذي تستحقه الاتصاف بصفات ثلاث مشينة بحق المرأة والمتمثلة في المرأة المجادلة، والنكدية، والمعاندة. فهناك صنف من النساء ذوات هوس ورغبة غير اعتيادية في مجادلة ومناقشة الرجل في كل كبيرة وصغيرة لغرض معارضة رأيه بالرغم من صواب وسداد رأيه الظاهر للعيان؛ وذلك لرغبتها الجامحة في إثبات سعة أفقها، ومعرفتها، وقبل ذلك وبعده حبها للمناكفة والمجادلة الاستفزازية. كما أن هناك أيضاً المرأة النكدية التي لا هم لها ولا شاغل لها إلاّ الجري وراء مناط الغم والهم في كل وقت وحين، مختلقة ومحمّلة التصرفات والأقوال أكثر مما تحتمل، كما أن هناك المرأة التي يجري في دمها شريان العناد والتشبث برأيها في كل حال ومآل؛ لا تتراجع عما تراه من وجهة نظرها الخاصة صائباً، ولا تحاول أن تجعل من الحق حكمتها أنّا وجدتها أخذت بها، وكأني بها قائلة ما لكم إلاّ ما أرى فهو دون سواه عين الحكمة والصواب.
إن سعي الكثير من النساء الحثيث لتكريس الاتصاف بهذه الصفات يقود في نهاية المطاف إلى منح شقائقهن الرجال مبرراً لانحسار شعورهم بالمودة والمحبة والعطف والحنان تجاههن، الأمر الذي يفضي بمجرد اضمحلال هامش المحبة والمودة هذا بينهم إلى إحداث اضطراب واهتزاز أسري يصل صداه إلى المجتمع برمته؛ حيث تلفظ تلك البيوت المضطربة نماذج مشوهة تهدم ولا تبني. وهنا دعوة ليغلب صوت الحكمة والعقل النساء المتسمات بذلك النوع من الصفات السلبية بمراجعة النفس، وخلع تلك الأردية السلبية البالية التي تفضي لا لشيء إلا التشرذم والتشتت، وخلق أجواء مكفهرة يعلوها التصدع، والشقاق، والتنافر.