د.محمد بن عبدالرحمن البشر
تحير الناس في داعش، وسبب نشوئها واستمرارها والتوقعات حول مآلها، لا يعرف سوى القليل عدد الداعشيين الذين يقطنون في مناطق احتلوها في دول مختلفة، ولا جنسياتهم، ولا من كل جنسية، ولا حتى كيفية تعاملهم مع بعضهم، ولا أسلوب تجنيدهم.
اختلف الناس بشكل دقيق في أعداد الدواعش، واختلفوا حول الصامتين المنتظرين لفرصة متاحة، واختلفوا في نِسب أولئك في كل دولة من دول العالم دون استثناء، سواء دولاً متقدمة أو نامية، بغضّ النظر عن المنطقة والدولة وأسلوب الحكم فيها.
الدواعش ظاهرة، ألقى البعض باللوم في نشوئها إلى دولة بعينها أو دول مختلفة، والبعض ألحقها بدين، أو مذهب، أو نهج وأسلوب حياة، كما أحال البعض هذا النهج إلى الفقر، أو الجهل، أو البيئة، أو العائلة، أو المدرسة، أو التعليم، أو أسلوب التربية.
زعم البعض أن سبب نشوئها اقتصادي، والبعض ظنوه سياسياً، والآخرون رأوه اجتماعياً، وهناك من يقول إن سبب ذلك ظلم مذهب لآخر، وهناك من يرى أن هناك مؤثرين يرومون الحكم ويستغلون المغفلين والجهال.
خليط عجيب من الطروحات، ولكن الحقيقة ليست جلية، وربما يكون السبب واحداً من تلك أو بعضاً من ذلك، أو جميعه.
وفي النهاية فإن الدواعش موجودون، وفكرهم مازال يستهوي صغار السن، ويجلب المزيد، وأن العالم يعمل في القضاء عليهم.
ومن المؤكد الذي لا لبس فيه أن الدين الإسلامي براء من فكرهم ونهجهم وسفكهم لدماء الناس، وإهلاك الحرث والنسل، وتدمير ما فوق الأرض.
هم بشر مثلنا بجسومهم، مختلفون عنا تماماً بأفكارهم ونمط حياتهم، وآرائهم، ونظرتهم للحياة، وتقييدهم للنصوص، والغاية من خلق الله للناس.
الدواعش بشر مثلنا، لهم أرجل يمشون بها، وأيدٍ يبطشون بها، ولأن فكرهم في ضلال فهم يمشون إلى سبيل الغي، ويسيرون بعيداً عن طريق الحق، ويهرولون نحو الجهل، وهم يستخدمون أيديهم في مسك الزناد لقتل الأبرياء، وتدمير الطرق، وهدم المباني، وحرق الشجر، واستخدام القلم في تضليل الناس.
الدواعش هم أحد فروع القاعدة، أو كيان بذاته، وهو لها عدو وصديق في آن واحد، فهم متقاربو الفكر، بل نكاد نجزم أنهم متطابقو الفكر، لكن الأسلوب يختلف، فيظهر للناس أن الدواعش أقسى قلباً، وأشد ظلماً، وأكثر تدميراً، الدواعش لهم خليفة وأمير، وخزنة بيت المال، وقادة حربيون، وهم في الغالب مطيعون لقادتهم، منصاعون لتوجيهاتهم حتى وإن كان في تلك الطاعة قتل الأبرياء، وهلاك النفس ذاتها كما هو الذين يفجرون أنفسهم.
الدواعش لهم إيرادات معظمها من بيع النفط والضرائب التي يقرضونها على الناس، وهم قادرون على الحصول على السلاح بالاستيلاء والسطو، أو الشراء من تجار السلاح، أو من خيانة بعض أعدائهم.
الغريب أن هناك فصائل مقاربة لهم في الفكر، والمنهج، وحتى نمط الحياة، ووحدة العدو، ومع هذا فهم يتقاتلون فيما بينهم لأغراض دنيوية وصراع على السلطة والأرض والمال، وهم في شدتهم نحو عدوهم المشترك، فلا فرق بين قتالهم لعدوهم وحربهم فيما بينهم.
قادتهم يرفعون شعار الآخرة والشهادة، والحور العين، وهم فيما بينهم يتقاتلون لأجل الدنيا الحاضرة، وليست الفانية، والآخرة الآجلة، وليست الباقية، لكن الأفراد الذين يذهبون وقوداً لأفكارهم، عليهم ألاّ ينظروا إلاّ إلى الآخرة، وينصرفوا عن الدنيا الدنية كما يقولون، ومع هذا فإنّ ذلك العدد غير القليل من المغفلين، ينساقون خلفهم، ويتهافتون لإرضائهم، طمعاً فيما يرونه برزخاً.
نشأت داعش في دول مختلفة، ومع كل أسف هناك من استغل نشؤها والدعوة إلى محاربتها لتحقيق أهداف سياسية ومطامع إستراتيجية، وغايات تكتيكية، فهناك من رُتب له على أن يسعى إلى الانفصال، وخطط له أن يأخذ الأرض ويحدد الحدود بحجة محاربة داعش، وهناك من تدخّل بالطائرات أو الجنود والميلشيات لجعل تلك البلاد تحت نفوذه، وقابعة في فلكه.
داعش ظاهرة نتيجتها الخراب والدمار والقتل، والاستغلال لإضعاف الدول المصابة بداء داعش، وتقسيمها بحجة مساعدتها، فماذا جنى العالم من داعش؟ لا شيء.