د.محمد ابن سعد الشويعر
المرأة هي الأم والبنت والأخت والزوجة، وهي السكن والرحمة في الحياة، والنساء شقائق الرجال، وهن قرة العين، وهي المربية وصانعة الرجال، والتاريخ يشهد لهن في نماذج كثيرة استطعن أن يهيئن الرجال للحروب، ضد الغزاة، ويشاركن المجاهدين في حروبهم إما بالسقيا، ودواء الجرحى، ويقول سبحانه وتعالى في مطلع سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء} (الآية1).
وكان في المجتمع الجاهلي من ينجب الأنثى كأنه أنجب العار لنفسه «ويأدونها»، وينظر للمرأة على أنها رجس وشرّ، وأنها الجنس المستضعف الذي يتسلط عليه القوي، فيذله ويستولي على قدراته ويسلبه حقوقه، حيث أبانت الآية الكريمة، التي هي نصر للمرأة وأنها تمثل نصف المجتمع، وقوام الحياة فيه. وما وقعتْ فيه الجاهلية الأولى من إهانتها وتضييع حقوقها.
ولمكانة المرأة العظيمة في الإسلام رفعها الله بحسن المعاملة، وأوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاها حقوقاً تتمناها نساء العالم وساوى بينها وبين الرجل في كثير من الأمور، وقال عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع (استوصوا بالنساء خيراً)، وتجاهل المنادون بحقوق المرأة في مؤتمراتهم، والغرب أكثر من يعرف ويعلم هذا، من ناحية التملك والمواريث والاحترام والبر والصلة والمحافظة على العرض.
ففي حضارة اليونان شاعت الفاحشة بين الرجال والنساء حتى صار الزنى أمراً مألوفاً غير مستنكر، وانتشرت دور البغاء، فتبوأت العاهرات والمومسات مكانة عالية، قال فيلسوفهم سقراط: إن وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة والانهيار في العالم، والمرأة تشبه شجرة مسمومة، ظاهرها جميل ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالاً.
وعند الرومان بعراقتها ومجدها ورقيها:كان الرجل يحكم على زوجته بالإعدام في بعض التّهم، ولم يكن ملزماً بضم ولده إلى أسرته ذكراً أو أنثى، وكانت النتيجة أن اندفع تيار الفساد فانتشرت بيوت الدعارة والصور التي تتظاهر بالخلاعة بين الجنسين، وللرجل الحق أن يقتل أولاده أو يبيعهم، وكانت النتيجة الحتمية اندفاع تيار الفساد وجموح الشهوات وانتشرت بيوت الدعارة والخلاعة بين الجنسين وانجذبت إليها بعض ربات البيوت فكان التمزق والانهيار.
أما المرأة عند الهنود فقد جاء في تاريخهم وكتبهم الدينية وخاصة في أساطير «مانو» وهي الشرائع الدينية عندهم، يقولون إن «مانو» عندما خُلق النساء فرض عليهن حب الفراش والمقاعد والزينة والشهوات الدنسة والتمرد من حب الشرف وسوء السلوك، ويقول: إن المرأة تعد زانية إذا خلت بالرجل مدة تكفى لإنضاج بيضة، ويقول آخرون يجب على كل زوجة أن تُحْرِق جسدها على مقربة من جسد زوجها المحروق، أو يحكمون عليها بالموت. وقد وجد الاستعمار البريطاني صعوبة في الإزالة مع العقيدة الوثنية منهم.
والمرأة عند اليهود يعتبرونها لعنة لأنها أغرت آدم، وفي التوراة المحرَّف:أن المرأة أمرّ من الموت، وإن الصالح أمام الله لا ينجو منها رجل من بين ألف، ويعتبرونها خادمة وليس لها حقوق أو أهلية، ولا يورثون البنات أصلاً، ويرون أن المرأة إذا حاضت تكون نجسة وتنجس البيت وكل ما تمسه من طعام أو إنسان أو حيوان، وبعضهم يطردها من بيته لنجاستها، وكان بعضهم ينصب لها خيمة ويضع أمامها خبزاً وماءً في هذه الخيمة حتى تطهر.
أما المرأة عند النصارى: فإن أوروبا المسيحية تنظر للمرأة على أنها ينبوع المعاصي، وأصل السوء والفجور، وهي باب من أبواب جهنم، وهي التي تحمل الرجل على الإثم والمعصية، وهي سلاح إبليس الذي لا يوازيه سلاح وعلمها أنْ تكفر عن خطيئتها ولا تنقطع عن أداء الكفارة أبداً، لأنها هي جاءت بالشقاء لأهل الأرض.
ويقول ترتوليان أحد أقطاب المسيحية، مبيناً نظرتهم في المرأة: إنها مدخل الشيطان لنفس الإنسان، وأنها الدافعة بالمرء إلى الشجرة الممنوعة، ناقضة لقانون الله. وبمثل ذلك قال:كراحي سوستام الذي يعد من كبار أولياء الديانة المسيحية:بأنها شر لابد منه، وآفة مرغوبة، وخطر على الأسرة والمجتمع، ومحبوبة فتاكة، وقد حرّم قساوسة الكنيسة على أنفسهم الزواج حتى لا يقعوا في الإثم .
وكانت أوروبا تنظر إلى العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة على أنها نجس يجب أن يتجنبها الإنسان، ولو كانت عن طريق نكاح وعقد رسمي مشروع.
وجاءت هذه النظرة من الرهبانية، التي كانت تدعو إليها المسيحية، وكانت تمجد العزوبية، وتجعلها مقياساً لسمو الأخلاق، وعلامة من علامات التقوى والورع.. ومع ذلك يقعون في هذه الفاحشة.
وقد ذمهم الله في ذلك وبين ابتداعهم، ولم تُكتب في شرع الله لهم، يقول سبحانه: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد 27)، عن مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد 91 السنة 27 محرم 1433هـ ص(569 - 572).
وللحديث صلة...