فواز السيحاني
لو قلت لبائعٍ أمريكي على أرصفة شوارع نيويورك أو لسائق تاكسي في العاصمة البريطانية لندن أو حتى لرجل فرنسي يتأمل للمرة الألف برج إيفل بأنك من «المملكة» سيقول لك مباشرة دون أن يتوقف لثانية واحدة:
- هل فعلاً تمنعون النساء من العمل وتضربونهن بشكل يومي؟
بل من الممكن أن تكون الإجابة أكثر بشاعة واشمئزازاً في كوننا وكما يقول المرشح الرئاسي الحالي لأمريكا «دونالد ترامب»: (ندعو إلى الإرهاب والعنصرية!!!).
قد يظن البعض أن المجتمع الغربي والأمريكي على وجه التحديد هو مجتمع مثقف مُطلّع على حضارات الدول الأخرى؛ إلا أنّ حقيقة الأمر تختلف كلياً عن ذلك؛ فعدد الأمريكيين على سبيل المثال الذين يحملون جوازاً للسفر لا تتجاوز نسبتهم 9 إلى 12 % في أعلى تقدير وهي نسبة قليلة جداً بل مضحكة حين تعرف أن عدد السكان الإجمالي هناك يتجاوز الثلاث مائة مليون نسمة، أغلبهم لا يعرفون عنك سوى ما يقوم إعلامهم بتقديمه؛ فأهم الدراسات الغربية تشير بأن الشاشة والصحف بشتى أنواعها هي من تقود عجلة التأثير في العالم الغربي نحو القضايا والعلاقات الدولية، بل يستطيع فعل ما هو أكبر، أعني في أن يجعل رأيًا شاذًّا وغير منطقي هو المنطقي والأكثر انتشاراً، وتعتبر هذه إحدى النظريات المهمة وهي ما تسمى بنظرية «دوامة الصمت» حيث تفيد بأنه وتحت شرط معين يستطيع الإعلام أن يُلحَّ على فكرة أو موقف من شخص أو جماعة بدرجةٍ تعطي قناعة لدى جميع المتلقين أنَّ هذا هو الرأيُ العام، ومِن ثَمَّ ترتفع الرغبةُ لدى مؤيدي هذه الفكرة، ويفتخرون بالانتماء إليها، بينما يشعر المعارضون لها أو المؤيدون لأطروحات أخرى بالحرج والخجل فيلزمون الصمت؛ مما يحوِّلهم إلى أقلية صامتة في المجتمع وهم الذين في الأصل كانوا الأكثرية!!. ولهذا السبب بالذات قال المناضل الشهير «مالكوم إكس»: (إن لم تكن فطناً فإن صحفنا وسائر وسائل إعلامنا ستجعلك تكره المضطهدين وتحب الذين يمارسون الاضطهاد!).
تأثير الإعلام لا يقف عند هذا الحدّ بل يتجاوز ذلك إلى أكثر المناصب حساسيةً، حيث يذكر المنظرّ الإعلامي الشهير «اندريا بريس» أنه في أول مناظرة رئاسية والتي تم بثها عام 1960 بين كنيدي ونيكسون، كان الأول يبدو على الشاشة وسيماً وجذاباً على عكس نيكسون الذي بدأ عليه الإنهاك بالرغم أنه كان المتحدث الأفضل والأكثر ذكاءً وإلمامًا؛ إلا أنه وبسبب سلطة الصورة والتركيز على كنيدي ووسامته وحديثه المنمق وإن لم يكن مُلماً أصبح هو الفائز برئاسة أمريكا لعام 1961.
* ما الفائدة من ذكر كل ذلك؟
تكمن الفكرة الجوهرية التي أريد أن أتحدث عنها في هذا المقال أننا بحاجة ماسة أن تقوم الجهات المسؤولة لدينا وعلى رأسها وزارة الثقافة والإعلام بإنشاء ما يعتني بهذا الدور على المستوى الدولي؛ أعني من أن تتكفل هذه الجهة بترجمة المقالات الرزينة في صحفنا اليومية وإرسالها للمهتمين حول العالم بطريقة مهنية واحترافية، أو أن تقوم بتقديم مثقفينا ومثقفاتنا للشاشات الأجنبية والأكثر متابعةً، خصوصاً عندما يكون الموضوع يمس قضايا الإرهاب أو الجوانب الفكرية والثقافية في المملكة أو تلك التي تتعلق بحقوق المرأة؛ بدلاً من أن يتحدث شخص آخر ذو هوية مختلفة له أجنداته المعينة أو طموحاته التشويهية على أقل تقدير. لو حدث ذلك فعلا وتم التركيز على هذا الدور الدولي باحترافية عالية وتكوين علاقات مع أجهزة الإعلام في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية قبل الجميع فعندئذٍ سنستمع إلى إجابات أكثر تفاؤلاً وأقل اشمئزازاً من كوننا نضرب النساء ونمنعهن من العمل، أو ندعو للتطرف والعنصرية كما يقول الساذج «ترامب»!.