يوسف المحيميد
لا أكاد أدخل مجلسًا، حتى يلومني البعض، ككاتب رأي عام، بعدم التركيز على حوادث المرور، وما يخلفه من وفيات، وإعاقات، وإصابات، وخسائر مادية، ويطالب البعض بتحميل المرور، بإدارته وأنظمته ورجاله، مسؤولية ما يحدث من كوارث مرورية، والقول بأن إهمال تطبيق الأنظمة بصرامة على المخالفين هو سبب هذه الفوضى، وسبب هذه الجرائم العلنية، التي وصلت إلى أنه لا يكاد يخلو بيت من بيوتنا من قتيل أو مشلول أو في غيبوبة طويلة بإحدى غرف العناية المركزة بمستشفياتنا الحكومية والخاصة!
وكلما أكدت لهم بأنني كتبت مرارًا عن هذا الموضوع، عارضني البعض بأن الكتابة المتكررة عن هذا الداء القاتل هي واجب وطني نبيل، للتنبيه والتحذير والتأكيد على مواطن الخلل المُحتملة، التي من أبرزها انتشار سيارات النقل الكبيرة، من شاحنات وحافلات وثلاجات وخلاطات خرسانة وغيرها، في شوارعنا، مما يعيث فيها فسادًا ورعونة وفوضى واستهتارًا، خاصة أن معظم حوادث الوفيات تكون سيارات النقل هذه طرفًا فيها!
هناك رعونة واستهتار عجيب بقواعد السير يمارسها وافدون على هذه الشاحنات، من اعتراض الطريق، الوقوف الخاطئ، استخدام طرق يمنع الدخول فيها للشاحنات، السير من غير أنوار، عدم استخدام نور السلامة التحذيري، وغيرها من المخالفات التي جعلتهم طرفًا دائمًا في الحوادث الشنيعة التي يروح فيها أسر كاملة أحيانًا.
وبعيدًا عن الإحصاءات المريعة عن قتلى الشوارع، أفرادًا وأسرًا كاملة، لا يمكن أن نتصفح جريدة دون أن تحزننا أخبار موتى في بيشة، الباحة، حائل، عرعر، القصيم، وفي كل مدينة وقرية في البلاد، بشكل لا ينافسنا عليه أحد من الدول القريبة والبعيدة، ومهما وضعنا من الأسباب لن نتجاوز دور المرور المتخاذل في تطبيق القوانين والأنظمة، والتغاضي عما يحدث من فوضى مرورية علنية!
لم يعد يكفي التوقيف لمدة ليلة أو سحب رخصة القيادة ممن يقطع إشارة مرورية، أو يرتكب مخالفات كبيرة، بل يجب حجز سيارته لمدد تصل إلى شهر كامل، ودفع غرامة كبيرة لاستعادتها، وعدم قبول الاستعطاف والوساطة في كسر الأنظمة، ومعاقبة أي موظف عسكري أو مدني في إدارات المرور يقوم باستثناء أي كان من العقوبات، أو التخفيف منها، حتى لا تصبح هذه العقوبات بلا قيمة!
ويجب أن تمتد العقوبة إلى رجل المرور نفسه، الذي لا يبادر في الميدان بتطبيق النظام، إذ تتكرر مشاهدة رجل مرور يتسلى بهاتفه المحمول أثناء العمل، دون الاكتراث بما يحدث أمامه من مخالفات، بل ويحدث أحيانًا أمام عينيه ارتكاب عديد من المخالفات، صغيرها وكبيرها، من مخالفة السير، والقفز على أرصفة المشاة، وقطع الإشارة، والوقوف الخاطئ، فلا يتحرك، ولا يبادر، وكأن الأمر لا يعنيه، وليس من صميم عمله.