علي الصراف
غداً أو بعد الغد، سوف يتمكّن العراقيون، بمعونة التحالف الدولي، من هزيمة تنظيم «داعش» وتحرير محافظة الموصل. ولكن السؤال الأهم هو: ماذا بشأن السياسات التي خلقت «داعش»؟ وماذا بشأن المشروع الطائفي الفارسي الذي هيمن على العراق وولد «داعش» من رحمه العفن؟
سوف يمكن القول طبعاً، إنه على الرغم من كل الخسائر المحتملة، فإن المعركة ضد الإرهاب، يتعيّن أن تحقق أهدافها. ولكن ما هي أهدافها؟
القضاء على تنظيم إرهابي محشور في مدينة هو أمر سهل من الناحية العسكرية. فهناك من الأسلحة والتقنيات والطائرات ما يكفي لأن تجعل الأرض من تحت أقدامه جحيماً. ولكن المعركة الحقيقية ضد الإرهاب لن تحقق أياً من أهدافها إذا ما اقتصر الأمر على قتل أو طرد المجموعات الإرهابية من هذه المدينة أو تلك.
التحرير الحقيقي للموصل، لن يتحقق ما لم يتم تحرير العراق كله من سطوة الإرهاب الآخر الذي أدى إلى ولادة تنظيم «داعش».
فالمشروع الطائفي الفارسي الذي هيمن على العراق (بمعونة الولايات المتحدة طبعاً)، والجرائم الوحشية التي ارتكبت على طول الخط ضد مجموعة ضخمة من سكان العراق، وسياسات المحاصصة الطائفية التي تحولت إلى سياسات نهب وترويع وفساد متواصل، والانتهاكات المروّعة التي تعرض لها ملايين البشر، والانهيارات التي حوّلت الدولة العراقية إلى مؤسسة هزيلة لحساب تعزيز سلطة المليشيات، أدت كلها إلى أن يصبح تنظيم «داعش» نوعاً من نتيجة «طبيعية».
وكان من «الطبيعي» أيضاً أن يكون الانحطاط عاماً وشاملاً في سلوكيات الإرهاب، وذلك كمثل الانحطاط العام والشامل في سلوكيات نظام المليشيات الطائفية الذي يرعاه «الولي اللا فقيه» في إيران.
لن يمكن التخلص من الإرهاب، ما لم يمكن التخلص من السياسات التي أدت إلى ولادته.
نعم، يمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من المعركة، كعمل عسكري ينطوي على منافع هزيلة، من قبيل بيع المزيد من الأسلحة، وتسجيل نقاط توضع في السجلات السياسية وغير ذلك من الأمور التي لا صلة حقيقية لها بالمعركة الفعلية ضد الإرهاب.
ببقاء الرحم العفن، فإن أشكالاً أخرى من الإرهاب يمكن أن تنشأ. وكلما زادت وحشية مليشيات الرحم العفن، فإن وحشية الإرهاب سوف تزداد.
هذه هي الحقيقة الصعبة التي يتعين على الولايات المتحدة، وعلى الوطنيين العراقيين مواجهتها.
وهي الحقيقية التي كان يتعيّن عليهم مواجهتها، بالأحرى، قبل البدء بهذه المعركة أصلاً، على الأقل من أجل ألا يكون خوضها نوعاً من زيف شامل.
يمكن النظر إلى معركة تحرير الموصل على أنها «لحظة حاسمة»، إلا أن اللحظة الحاسمة الحقيقية هي تلك اللحظة التي يواجه فيها العراقيون متطلبات بناء دولة حقيقية، لا دولة مليشيات. وهي تلك اللحظة التي يتم فيها استئصال ذلك الرحم العفن الذي حوّل العراق إلى مرتع لمشروع طائفي بغيض، وحشي وقذر.
لا يصح لأي أحد أن يخدع نفسه. فما لم تكن المعركة ضد الإرهاب شاملة لجذوره، فإنها لن تعدو كونها لعبة «تسجيل نقاط»، إنما على حساب حقوق ومصالح ومستقبل الشعب العراقي كله على بعضه. وسيظل العراقيون يدفعون ثمن المعارك الناقصة والخيارات الجزئية، كما دفعوا ثمن التواطؤ أو الصمت حيال المشروع الطائفي الإيراني.
لكي لا يكون الأمر مجرد نكتة (حيث تحارب الولايات المتحدة لحساب تعزيز سلطة «الولي اللا فقيه» في العراق، بينما تزعم أنها تحارب ضدها في سوريا)، فإن الضرورة تقتضي أن تتم محاربة الإرهاب ليس على نسق عسكري واحد فحسب، وإنما على نسق إستراتيجي واحد، وعلى رؤية لا تقتصر على العمليات الجراحية لإزالة جانب من الورم هنا، وجانب آخر منه هناك.
السرطان الحقيقي، إنما يكمن في ذلك الرحم العفن. ويجب استئصاله من هناك.
هذه هي اللحظة الحاسمة الحقيقية. وكل ما عداها خداع.