د. خيرية السقاف
تزدحم المشاعر, ولازدحامها فوضى تدافع الأعداد عن عنق زجاجة,
تختنق هناك التعابير, تحتدم أصوات الحروف, تفقد اللغة هيمنتها, والدلالات مهمتها,
والمعاني أبعادها!!..
موجعٌ أن يتدافع في الصدر الخوف, والفرح, والحنين, والتوقع, والانتظار, والترقب,
والشوق, والحيرة!!..
مؤلمٌ أن تنفرط المخيلة فيحضر الفقد, والما بعد, والفراغ، والوحدة، والاغتراب، والتيه, والضياع, والمخلفات المختبئة التي كانت في دعة صمتها!!..
قاتلٌ تدفق الحنين في لحظة عجز, والتشبث في ثانية فاصلة, والانصياع لما ليس في الحيلة!!..
المشاعر المزدحمة في الصدر في الموقف الحاسم بين حضور ومغادرة,
بين صوت وصمت, بين شهقة وزفرة, بين حيوية وجمود,
بين دفء يسري, وبرودة تحل,
بين جلسة حياة، واستلقاء موت!!..
هذه المشاعر التي لا تقاوم, ولا تصدُّ, ولا تُهزم,
هذه المشاعر في جوفه طيورٌ جارحة تنهش في الوريد,
جيوشٌ فاتكة تدك في العروق, عساكرَ مسلحةٌ تقتحم الدماء!!..
لا يعجزه شيء أكثر مما تعجزه نفسه هذا الكائن المتمرد على قدميه !!..
لا يحجِّمه أمر مثلما تحجِّمه قدراتُه هذا المقيَّد بكائنه..
لا يغلبه في مواقف حسمه غالب أفتك من حدوده ذاته!!..
هذا المتفاني للتراب, الشغوف بمرمى السحاب,
في لحظات انفراط مخيلته, في فورة انبثاق مشاعره, في سطوة تمرد خفقه
يزدحم بما فيه, ويكثر بوافر المتناقض منه!!..
هذا الذي ليس من نور ولا نار ليس غير أن:
يختنق بعجزه, يتلاشى بضعفه, يواجه حقيقته..
إنه إن يتمادى فالمرآة تتجاوز قطعة الحرير يمررها..
الحقيقة ناصعة والمرآة صقيلة تتسامى عن الخديعة..!!
هو لا يملك في النهاية أمر نهاياته..
كما في البدء لم يكن يملك أمر بداياته..
الحقيقة لا يملك منها حرفاً في التكوين!!..
وليس لديه لها تفسير في التلاشي..!!
يبقى له أن يتماهى مع سرب الطيور الناهشةُ فيه مشاعرَه..
لحظة أن ينفرط به عجزُه:
من يحب بعد صوت لصمت,..
بعد حضور لمغادرة,..
بعد حياة لموت..!!
له من الحيلة وجعه المتباهي بسطوة سلاحه فقط
لكن لا ينقذه في العراك غير الصبر!!