د.عبدالعزيز العمر
لكي يكون التعليم - أي تعليم - مميزاً ونوعياً يجب أن ينفذ ويقدم للمستفيدين منها انطلاقاً من مفاهيم وأطر نظرية وفلسفية محددة ومعروفة، هذه الأطر النظرية الفلسفية هي التي تشكل في النهاية ماهية وجوهر التعليم، وهي التي توجه سياساته وممارساته، ويتخلف التعليم وتتردى جودته بقدر ما تتسع الفجوة بين واقع التعليم على الأرض وأسسه ومفاهيمه النظرية التي يفترض أن يقوم عليها. وعمومًا يمكن إيعاز أي خلل يظهر في التعليم إلى كون قيادات التعليم تقدم التعليم باعتباره مجرد جملة من الطقوس والقوالب اليومية الجامدة المنفذة في غياب رؤية نظرية فلسفية عميفة لمقاصد التعليم البعيدة. ولكي نقرر صحة ممارساتنا وسياساتنا التعليمة من المهم بداية أن نجلو مفهوم التعليم: ما هو التعليم؟ التعليم هو في النهاية تعديل مستمر في التصورات الذهنية التي يحملها المتعلم في بنيته العقلية عن هذا العالم الكبير المتغير المتجدد، التعليم بكلمات أخرى هو تطوير مستمر يجريه المتعلم في منهجية وأساليب تفكيره في إطار بحثه المضني عن الحقيقة الغائبة، التعليم لا يمكن حصره في كونه مجرد نتف من المعلومات المتناثرة التي تحشر في ذاكرة الطالب (كما هو حاصل الآن للأسف). التعليم في حقيقته وماهيته هو إيقاظ لملكات وقوى وإبداعات كامنة يختزنها بداخله كل متعلم، وهذا يعني أنه يجب على المعلمين والقيادات التربوية عمومًا أن تؤمن بأنه يوجد بداخل كل طفل كنز هائل من الإبداع والطاقة التي تنتظر الشرارة المناسبة لتتفجر إبداعًا، وعليهم أن يعرفوا كيف يصلون إلى هذا الكنز وكيف يستخرجونه من أعماق الطفل. وهذا لن يتحقق -للأسف- طالما بقينا ننظر إلى الطفل معتقدين أنه أينما توجهه لا يأتي بخير (مستمر).