د.ثريا العريض
عيد الأم قبل 4 أيام أيقظ في عيني دمعة وفي قلبي «وردة».
مؤخراً صرت أحلم بها كثيراً..
وأسعد أن أفسر ابتسامتها الطيفية بأنها سعيدة بسعادتي في حياتي حتى وهي بعيدة في عالم مجهول التفاصيل.
يطمئنني ذلك الشعور بأنها لم تتركني أبداً رغم البعد.
يوم 25 مارس سيتم بإذن الله تكريمي في مؤسسة البابطين الثقافية بالكويت بمهرجان الشعر الحادي عشر.. ولن تكون معي. أتذكر أن أمي هي أول من شرحت لي معنى «شعر». كانت ستسعد جدا بهذا الاحتفاء بشعري.
كانت تفرح بكل إنجاز لي. شهادة ورقية تثبت أنني «الأولى»؛ فوزي في مسابقة للرسم؛ أو نشر قصة أو قصيدة لي في مطبوعة.
كانت معي دائماً بكل إحساسها ووجودها.
أنا .. لم أكن دائماً أستوعب معنى وجودها جنبي.
في الطفولة لم تكن تأتي جزءاً من أحلامي فقد كانت هناك في كل لحظة وزاوية من وجودي تملؤه دفئاً وأماناً. تغطيني عن البرد شتاء والشمس صيفاً, وتطعمني حين أجوع وتحضنني حين أخاف وتضمد جراحي حين تنتهي مغامراتي الطفولية بعثرة تدمي ركبتي أو خدي.
كانت ملء وجودي بكل حضورها الهادئ الطيب مثل نفح الورد الذي لقبوها به..
كان اسمها وردة . ولم كن أعرف أن اسمها الحقيقي هو فاطمة.. و»وردة» هو ما لقبوها به لجمالها.
في المدرسة علمتنا المدرسة أن نرسم بطاقة تهنئة يوم عيد الأم ونخط عليها رسالة حب ونعطيها لأمهاتنا مع هدية نشتريها من مدخراتنا البسيطة. بطاقات تحوي رسائل متشابهة بلغة لا نفهم مصطلحاتها ولا حتى حقاً ندرك معانيها. وهدايا قد لا تتعدى زجاجة عطر صغيرة, أو حتى وردة صناعية.
ولكن فرحتها بهما جعلت عيد الأم مناسبة لا ننساها في القرب والبعد.
في مراهقتي انشغلت عنها..
بين متطلبات المدرسة والتنافس مع الزميلات, وتحضير الواجبات المدرسية, وحوارات الصديقات حول أولاد الجيران, لم يكن هناك وقت لها سوى حين تجلس أمامي لتتأكد أنني أفطرت قبل أن أحمل حقيبتي المدرسية وأخرج في مشواري اليومي, أو تغديت قبل أن انصرف لتحضير واجب الغد.
كانت لها صديقاتها وصاحباتها ولكنها كانت تتشوق أن نجلس معاً لحوار حميم.. قلما تحقق..
في شبابي افتقدت الحوارات الحميمة, وأنا أواصل الدراسة في غربة الجامعة. اشتقت أن أحدثها عن هذا العالم الجديد المثير بجدته وتحدياته وعن تخوفاتي وحيرتي وتخبطاتي في الغربة.. وعن نبضات القلب الذي صارت تتجاذبه وسامة الوجوه وإغواء الأصوات..
كنت أعرف أنه عالم لم تجربه ولا عايشت تفاصيله في صباها - هي اليتيمة التي تزوجت في الرابعة عشرة من ابن عم يكبرها بأربع سنوات تحايلاً من جدي على نبضات القلوب ودرأَ لانجذاباتها - ولكني كنت أحدس أنها ستفهم ما أمر به, وستنصحني بما أفعل أو لا أفعل.
حين اخترت رفيقي وطريقي في النهاية بعيداً عنها لم تتألم لأنها ستفقدني كدعامة لشيخوختها المقبلة, بل لأنها لن تكون قريبة لتضمد جراحاتي في البعد.. تلك التي لم اتنبأ بها إلا بعد أن صارت واقعاً. فرِحت لي كثيراً.
ليتني ورثت بعض قوة احتمالها ونضجها.
أنا لم أستطع أن أتجاوز خوفي على أبنائي, وأكتفي فقط بالفرح لفرحتهم!