نجيب الخنيزي
خلال مقابلة تلفزيونية مهمة في البرنامج العالمي «60 دقيقة» على شبكة (سي بي أس) الأمريكية تطرق سمو لي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز إلى عدة قضايا حيوية تمس بشكل مباشر واقع المجتمع السعودي وآفاق تطوره التي من بينها حقوق المرأة.
وسأركز هنا على بعض ما جاء في تلك المقابلة: بعد عام 1979 كنا ضحايا، ولا سيما جيلي الذي عانى من هذا الأمر بشكل كبير وقال سموه: لقد كنا نعيش حياة طبيعية للغاية.. كما هو الحال في بقية دول الخليج.. وكانت هناك دور للسينما والنساء يعملن في كل مكان.. كنا أناساً طبيعيين نتطور كأي بلد آخر في العالم حتى أحداث عام 1979 .
واستطرد قائلاً: أعطيت النساء السعوديات - اللواتي كن واقعاً غير ظاهرات - حقوقًا جديدة، مما يسهل عليهن بدء عمل تجاري، والانضمام إلى الجيش، وحضور الحفلات الموسيقية والأحداث الرياضية، وفي يونيو سيكن قادرين على الوقوف خلف عجلة القيادة وقيادة السيارات بمفردهن ورداً على سؤال: هل النساء مساويات للرجال.. أجاب ولي العهد: بكل تأكيد فنحن جميعاً بشر وليس هناك فرق.. وقال سموه: نعمل على قانون مساواة راتب المرأة بالرجل قريباً.
وقال سمو ولي العهد: لدينا متطرفون منعوا الاختلاط بين الجنسين، ولا يستطيعون التفريق بين رجل وامرأة بمفردهم معاً.. ووجودهم معاً في مكان العمل.. والعديد من هذه الأفكار تتناقض مع طريقة الحياة في زمن الرسول والخلفاء..
وزاد سموه: القوانين الشرعية واضحة للغاية.. المرأة يجب أن ترتدي ملابس لائقة ومحتشمة كالرجل.. ومع ذلك لا يحدد بشكل خاص العباءة السوداء أو غطاء الرأس الأسود.. القرار متروك تماماً للمرأة أن تقرر أي نوع من الملابس المحتشمة والمحترمة تختارها لترتديها.
وفي شأن آخر أورد سمو ولي العهد أنه تم غزو المدارس السعودية من قبل جماعة الإخوان.. ولا يوجد بلد في العالم يقبل أن يُغزى نظامه التعليمي من قبل منظمة متشددة.. مؤكداً أنه سيتم القضاء على عناصر جماعة الإخوان المسلمين تماماً في فترة قصيرة.
هذا الطرح النقدي والشفاف لسمو ولي العهد يعيد (في بيئة متغيرة) من جديدة ما طرحه رواد النهضة العربية المجهض في أهمية تعميم وتبيئة قيم المواطنة، العلم، التنوير، الحداثة، التسامح، والتعددية وغيرها، وبما لا يتعارض من وجهة نظرهم مع صحيح الدين. ولنستعرض هنا بعض آرائهم ومواقفهم إزاء قضية اجتماعية مصيرية تتمثل في «حقوق المرأة» وكشف وتعرية مدى الظلم والحيف الذي لحق بها كغيرها باسم الدين والتقاليد الاجتماعية.
راهنية تلك الأطروحات، تنبع من واقع مرير انشغلت به المجتمعات العربية والإسلامية بقضايا هامشية وشكلية، كإطالة اللحى وتقصير الثياب ووصف أداب وكيفية الجماع، والدخول إلى المختلى، والدفاع المستميت عن الحجاب والنقاب والسواك وتعدد الزوجات، واعتبارها من جوهر الدين وصحيح العقيدة التي تبطل بدونها.
ووصل الأمر ببعض الفقهاء إلى تعريف الزواج بأنه (عقد يملك به الرجل بضع المرأة) تجاهلاً للتعريف القرآني بقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم منْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}.
الشيخ رفاعة الطهطاوي (1801- 1873) الذي يعد بحق الرائد الأول لفكر النهضة، وقد سافر إلى باريس كمرشد وكي يؤم أفراد أول بعثة مصرية أرسلها محمد علي، وكانت حصيلة مشاهداته وإعجابه الشديد بمدى التقدم الحضاري الذي أحرزه المجتمع الفرنسي في كافة المجالات، ومن بينها المنزلة الرفيعة للمرأة الباريسية المتعلمة، ما جسده في مؤلفه الشهير «تخليص الأبريز في تلخيص باريس» حيث يقول في خاتمة الكتاب «إن وقوع اللخبطة بالنسبة لعفة النساء لا يأتي من كشفهن أو سترهن، بل منشأ ذلك التربية الجيدة أو الخسيسة».
من جهته أثار جمال الدين الأفغاني موضوع مساواة المرأة بالرجل، فيشير إلى «لا مانع من السفور إذا لم يتخذ مطية للفجور». للحديث صلة