الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تزايدت في الآونة الأخيرة الخلافات الأسرية حتى وصلت ساحات القضاء جراء التأخر بتوزيع المواريث.
«الجزيرة» طرحت القضية على عدد من المختصين في العلوم الشرعية والاجتماعية والقانونية للكشف عن الحلول التي يرونها حيال الحد من تفاقم المشكلات، والتي قد تصل إلى عواقب وخيمة، ومخاطر جسيمة، ورؤيتهم حول صدور قوانين وأنظمة تحدد مدة إنهاء الميراث منعاً لتلاعب وتسويف الوكلاء، وحفاظاً على حقوق الآخرين؛ فماذا قالوا؟.
النصح للناس
يقول الدكتور عبدالله بن محمد الطيار مفوض الإفتاء بمنطقة القصيم:
- أولا: بالنسبة لتأخير قسمة التركة إذا كان الورثة جميعا اتفقوا على عدم تقسيم التركة وتم التراضي بينهم جميعا على ذلك، فلا حرج فيه، وإذا كان بعضهم غير موافق ويترتب على ذلك ما ذكرت من تفاقم المشكلات، فلا بد من إعطاء من لم يوافق على التأخير نصيبه، هذا إذا كانوا بالغين راشدين.
وأما لو كان من بين الورثة من هو قاصر، ففي هذه الحالة عليهم أن يذهبوا إلى القاضي الشرعي، ويخبروه بعددهم، وبما ترك الميت لهم؛ ليقسمه بينهم قسمة شرعية، ثم يسلم للكبار منهم أنصباءهم، ويجعل نصيب الصغار تحت يد رشيدة تنميه لهم، وتصرف منه عليهم بالمعروف.
ثانياً: أما عن صدور أنظمة تحدد مدة إنهاء الميراث، فهذا راجع إلى ولي الأمر والجهة المخولة للبت في مثل هذه الأمور فإذا رأوا أن صدور مثل هذه الأنظمة التي تحدد فترة زمنية منذ وفاة المورث قطعاً للنزاعات ودرءاً للمشاكل التي تحدث بسبب تأخير توزيع الميراث فلهم ذلك ويكون صدور مثل هذه الأنظمة ملزم للجميع؛ لأن المقرر عند أهل العلم أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، ويقطع النزاع، ويسد باب الخصومة، ويجب امتثاله.
والواجب على العلماء تقديم النصح للناس، وتنبيههم على قضية الميراث وما يجب عليهم وتحذيرهم من المماطلة في توزيع تركة المتوفى وبيان خطورة هذا الأمر.
الخوف من الله
ويؤكد الشيخ سليمان بن عبدالله الماجد قاضي الاستئناف أن من أهم الحلول هو تعظيم خوف الله تعالى لاسيما حين يكون المال بين القرابات فتجد أن التركة قد يتولاها الأخ الأكبر أو عم أو خال أو غيرهم من القرابات فيستأثر بها أو ببعضها ظلما أو يهمل قسمتها، وقد يعظم حياء بعض الورثة من هذا القريب المتولي مما يطيل أمد القسمة لذلك كان على من يتولى التركة الخوف من الله ومراقبته وأن هذا مما يُحاسب عليه المرء، فإن كان قادراً على القيام بها وإلا أعادها إلى بقية الورثة ليعهدوا بها إلى من يقوم بحقوقها من الأقوياء الأمناء، مشيراً إلى بعض الحلول، ومنها: سرعة التشاور مع الورثة وعدم الاستبداد بالرأي، حيث تكفل لائحة قسمة الأموال المشتركة تخويل الورثة بأن يعدوا بأنفسهم محضراً بينهم بقسمة التركة فتجيزه المحكمة بعد إجراء مقتضى هذه اللائحة من حقوق الدائنين والقاصرين والأوقاف والوصايا وحقوق الله من حج واجب ونحوه؛ فإذا لم تجد الحلول الداخلية وطالت المدة كان لأي واحد من الورثة أن يتقدم بطلب قسمتها ولا تعد هذه شكوى وإنما هو طلب قسمة فقط فحينئذ تقوم المحكمة بتطبيق لائحة قسمة الأموال المشتركة التي تضمن العدل بين الورثة وسرعة إيتاء كل ذي حق حقه، وقد تضمنت اللائحة إمكانية تجزئة التركة بحيث يقسم الجاهز للقسمة وتأجيل الباقي إلى حين تحقق إمكانية قسمته، وإذا وجد في الورثة غائب أو ممتنع عن الحضور فإن المحكمة مخولة بالقسمة دون حضوره بعد تبليغه على بريده أو بالرسائل النصية، كما تتضمن اللائحة قواعد قسمة التراضي وقسمة الإجبار بما يضمن العدل بين الورثة، ومن أحكام اللائحة جعل العقارات والسيارات تحت يد حارس قضائي إذا خيف على أعيانها أو محتوياتها من تلف أو عبث بسبب بعض الورثة أو غيرهم.
ويسترسل الشيخ الماجد في حديثه قائلاً: كما تنصب المحكمة -إذا لم يتفق الورثة على قسمة التراضي- مصفياً معتمداً لسرعة قسمة التركة ولهذا المصفي أحكام مفصلة من الرقابة عليه وعزله من المحكمة عند الاقتضاء، وكذلك ما يلزمه من تقديم تقارير مفصلة عن حال التركة وهذه الإجراءات سوف تكفل بإذن الله سرعة البت في قسمة التركة وضمان العدالة بين الورثة.
توزيع التركة في الميراث
ويرى الدكتور عبداللطيف بن محمد الفوزان أستاذ الخدمة الاجتماعية، الباحث والمستشار الاجتماعي: أن مسألة التركة وتوزيعها ذات أبعاد منها: شرعية واجتماعية واقتصادية، فقد نظمت الشريعة التوارث على نحوٍ يحقق العدل والرحمة للجميع، فحرصت أحكام المواريث على حماية المؤسسة العائلية من التفكك، وتقديم البر والخير بين أفراد الأسرة والأقارب، وبينت النصوص الشرعية حصص الميراث لكل فرد من الأفراد المستحقين.
ورغم ذلك نجد التجاوزات التي يرتكبها بعض الورثة، مما يتسبب في وقوع العديد من الإشكاليات المتعلقة بقضايا الإرث، فتؤدي إلى حرمان بعض المستحقين من حقهم في الإرث، أو عدم حصولهم على نصيبهم بشكل كامل، وبالتالي تنشأ الخلافات والإشكاليات التي تنعكس على علاقتهم الأسرية، من تناحر وقطيعة، وهذه عائدة إلى أسباب عديدة منها: ما توارثوها من عادات وتقاليد سلبية وهي محدودة، وأيضاً ما تعود إلى الطمع والجشع لدى الأشخاص الحارمين غيرهم، وقد نجد أيضا منهم من يحرم غيره بسبب تغليب المصلحة الذاتية على بقية الورثة.
وهذه الخلافات تصل بهم إلى المحاكم الشرعية لفضها والفصل بها سعيا لحفظ الحقوق، ومن المؤكد أن المحاكم في المملكة لديها الإجراءات المنظمة لقضية توزيع التركة من خلال الدوائر القضائية المختصة والتي توصل الحقوق إلى أصحابها، وهذه الخلافات والنزاعات ترهق المحاكم الشرعية لكثرة القضايا الواردة إليها، وما لا يصل للمحاكم الشرعية في مثل هذه الحالات قد يكون أكبر بكثير مما وصل إليها وتم النظر بها في القضاء.
ومع الوضع الحالي للمملكة في السعي للتطور التقني والمهني في المواضيع الاجتماعية، ومواءمة مع رؤية المملكة 2030 نتطلع إلى وجود تشريعات وتنظيمات لأهم قضية مرتبطة بكل أسرة، وهي قضية توزيع التركة، لتحقيق تطبيق الشريعة بما يضمن حصول كل وارث على حقه بالطريقة الشرعية والنظامية، وللحد من تعطيل توزيع التركة على الورثة بإجراءات عملية تكفل حصر التركة بالطرق الصحيحة وإطلاع كل الورثة عليها وعدم إغفال أو إخفاء أي جزء منها، وللحد من الخلافات الأسرية التي قد تحدث بين الورثة بسبب بعض الاجتهادات أو التصرفات الخاطئة في التعامل مع الإرث.
تكاليف قضائية
ويؤكد الدكتور عبدالعزيز بن شلوه الشاماني المحامي والمستشار القانوني بأنه لا يجوز لمن يقوم على أموال الموتى وإرثهم -ممن يلي الإرث - أن يؤخر قسمة الأموال دون وجود مانع لذلك، أما ان اتفقوا على إبقاء الإرث سواء عقاراً أو مالاً أو أقاموا شركة عائلية وجُعلت حقوقهم على شكل أسهماً في تلك الشركة برضاهم لحفظ المال وتنميته فهذا لابأس به، أما لو طالب أحد الورثة بحقِّه، فيجب القسمة أو التخارج معه، وأن رفض الورثة يقيم دعوى قسمة إجبار من جانبه. ويقترح المحامي الشاماني أنه مما يحث الورثة على المسارعة في القسمة فرض تكاليف قضائية من قبل وزارة العدل لمن يمضون سنة كاملة لم يقسموا الميراث وإعفاء من تقدم خلال سنة واحدة، أما من قسموا بالتراضي أو اتفقوا بينهم على تنمية المال فلا سلطة لأي جهة عليهم سواء ما يتعلق بميراث القُصر فله بابه.