الأولاد نعمة من أجل وأفضل النعم لا يحس بها إلا من حرم منها أو فقدها، والولد هبة من هبات الله تعالى ومنحة ربانية، قال الله تعالى في محكم كتابه {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (49-50) سورة الشورى
وقال الشاعر: إنما أولادنا أرواحنا تمشي على الأرض..
وَفقْدُ الولد وخاصة موت الفجاءة مصيبة لا تتحملها إلا النفس المؤمنة الصابرة الراضية بقضاء الله وقدره.
فَقْدُ الأحبّة غربة، غربة الروحِ لا الجسد، وهي أقسى أنواع الوجود. فكيف إذا كان جرح الفَقْد يتسكع في قلب الأب؟ حينها يصبح العمر خريفًا دائمًا، وصقيعًا قاتلًا.
تعيدنا الأزمات، ولا سيما الفقد، إلى حقيقة أن الإنسان ضعيف أمام الموت وأن فقد الأبناء غصةٌ وحرةٌ لا تنطفئ في قلوب آبائهم.
رحل محمد باكرًا إلى ربه في الثالث عشر من سبتمبر قبل أن يتم آخر شهرٍ في عامه السادس عشر، مخلِّفًا جرحًا أعرف أنه لن يبرأ، لكن عزاءنا أنّ الله يعلم، يعلم عِظم الشعور ولوعة الحزن ومرارة الغصّة، يعلم أنّا لا حول لنا ولا قوة إلّا به ولولا يقيننا بلطفه وواسع رحمته ما تجسّرنا.
ولأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، لا يأتي الحزن وحده، بل أنزل سبحانه اللطف مع البلاء، وقوانا بالصبر مع الفقد، والعزاء كل العزاء كان في الجمع الغفير الذي شيّع جنازته والجمع الأكبر الذي دعا له، وكأن له خبيئة بينه وبين ربه، لا يعلمها سواه.
محمد كان يستقبل الحياة بجذوة تضيء ما حوله، مقبلًا عليها بابتسامته، كنت أراه امتدادًا لي كما كان والدي رحمه الله يراني امتدادًا له، رحل لكنه حاضرٌ بيننا حتى في غيابه، تاركًا ذكرًا حسنًا بين من عرفوه ومن فقدوه، ولسان حالي يرثيه كما رثى التهامي ابنه بقوله:
يا كَوكَباً ما كانَ أَقصَرَ عُمرَهُ
وَكَذاكَ عُمرُ كَواكِبِ الأَسحارِ
إِنَّ الكَواكِبِ في عُلُوِّ مَكانِها
لَتُرى صِغاراً وَهيَ غَيرُ صِغارِ
جاوَرتُ أَعدائي وَجاوَرَ رَبَّه
شَتّان بَينَ جِوارِهِ وَجِواري
عليك سلامٌ ونورٌ ورحمة يا ابني محمد، قبرٌ فسيح الزوايا، جنات عدن وظلّ ظليل، ولنا ربّ يجبرنا من بعدك..
في ختام مقالتي هذه دعواتي للمولى عز وجل أن يلهمنا الصبر والسلوان وأن يعوضنا خيرًا في الدنيا والآخرة وأن يغفر الله لفلذة كبدي ابني محمد وأن يعوضه الأجر والثواب وجنات الفردوس الأعلى وأن يجمعنا وإياه ووالدينا والمسلمين أجمعين في جنات النعيم وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين له الحمد وله الشكر وهو على كل شيء قدير.
** **
م. سليمان عبد الله الخليفة - رئيس بلدية محافظة الرس سابقاً