يحتل التراث مكانة مهمة في حياتنا لما له من رابط عجيب في زيادة التماسك الاجتماعي، والمساعدة على تعزيز السلام ما بين الجميع، وذلك من خلال دوره في تعزيز الثقة والمعرفة المشتركة، كما تعترف اليونيسكو بأهمية زيادة الوعي حول التراث بين الناس، وإنشاء الوكالات والمؤسسات التي تزيد الوعي بين الناس بأهمية التراث من أجل المحافظة عليه.
لكل أمة تراث وآثار والأمة الحية هي الأمة التي تعتز بتراثها، وآثارها على اعتبار أن ذلك التراث وتلك الآثار جزء أساسي من مكونات تاريخ وحضارة وهوية تلك الأمة، وهي التي توثق وتكشف عن عراقة هذه الأمة، وتدوين تاريخ واضح وصادق لأبرز ما مر بهذه الأمة من أحداث، كما أنها تشكل وثيقة عهد بين الأجيال السابقة، والأجيال الحالية، والأجيال القادمة، وهمزة وصل بين الأجداد، والآباء، والأبناء، والأحفاد، وتحافظ على الهوية التي تميزت وتتميز بها الأمة من غيرها من الأمم، وتوثق الصلة بين الأجيال السابقة، والأجيال اللاحقة، وتمنح الأجيال اللاحقة الشواهد الحية التي تجعلهم قادرين على الاعتزاز بتراثهم، وآثارهم، وتاريخهم.
ومن منطلق تلك الأهمية صدرت مجلة التراث الثقافي غير المادي؛ وهي مجلة دورية ربع سنوية تصدر عن مركز تقدم، صدر عددها الأول عام 1443هـ/ 2022م، أصدرها الأستاذان الفاضلان سعادة الدكتور: صالح السلمي مدير مركز تقدم للدراسات والبحوث الاجتماعية، وسعادة الدكتور: علي النجعي مهتم في فلسفة التاريخ.
وذكر رئيس تحرير المجلة في افتتاحية العدد الأول: «إن التراث الثقافي غير المادي بأنواعه، الأدائية والحرفية، والتعبيرية وبمجالاته المختلفة، ناقل ثقافي، يمارس بوصفه موروثاً تتناقله الجماعات البشرية جيلاً بعد جيل، استجابة لبيئاتهم، ومتغيرات عصرهم في صيرورة مستمرة تعّبر عن حالة وجودية خلّدتها - وما زالت تخلّدها - الشعوب، من خلال الممارسات والتقاليد، ونظراً للتنوع الثقافي في المملكة العربية السعودية واستشعاراً منها لدورها العالمي في صون هذا التراث والحفاظ عليه، كانت من أوائل الدول التي صادقت في عام 2008م، على اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي عام 2003م».
وانطلاقاً من ذلك الدور الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية، ومن رؤية مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان؛ رؤية المملكة العربية السعودية (2030م)، التي تولي التاريخ، والتراث، والثقافة عناية كبرى، لما ينطوي عليه من قيم ثقافية، واجتماعية، واقتصادية يجب تكريسه على أنه موروث، في وعي المواطن ووجدانه، وفي وعي الأمة بأكملها.
وانطلاقاً من الواجب الوطني، والمسؤولية الاجتماعية، والثقافية تأتي عناية مجلة التراث الثقافي غير المادي بهذا النوع من التراث بوصفه جزءاً من الهوية الوطنية، ورافداً معرفياً، وثقافياً، واقتصادياً، واجتماعياً، تصدر مجلة التراث الثقافي غير المادي - الصادرة عن مركز تقدم - في عددها الأول وأعدادها التالية أن تؤدي جزءاً من هذا الواجب، وتسدَّ فراغاً منه، وتبرزَ التراث الثقافي الحي غير المادي للإنسان السعودي وتعبَر عنه، وتكشفَ عن استمراره وتطوّره في ذاكرة المجتمع، وترسخَ فكرة الوعي به، في الماضي، والحاضر، والمستقبل، والاعتراف به في المجتمعات المحلية، ومن ثم صونه والحفاظ عليه.
تعد مجلة التراث الثقافي غير المادي أول مجلة سعودية تُعنى بالتراث الثقافي غير المادي؛ وصدر حتى الآن 3 أعداد منها، وهي عبارة عن مجموعة من المقالات الطويلة، والقصيرة، وبعض التقارير، والتغطيات الإعلامية عن التراث الثقافي غير المادي، ومجالاته وعناصره.
وفي الختام أود أن أشكر القائمين على هذه المجلة والعمل الرائع؛ الذي عاد بذاكرتنا للوراء في بداية الإصدارات الصحفية السعودية، وجسد جهود أولئك الأدباء والمؤرخين في العهد الذهبي للصحافة السعودية، الذين حافظوا على تراث هذا البلد الطاهر، وتحملوا عناء كل التكاليف المادية، والبحثية، بارك الله في جهود سعادة الدكتور صالح السلمي المشرف العام على المجلة، وسعادة الدكتور علي النجعي رئيس تحرير مجلة التراث الثقافي غير المادي، بارك الله في الجهود، وكلل المساعي بالنجاح، وجعل العمل خالصاً لوجهه الكريم.
** **
- نوال بنت إبراهيم القحطاني