قال الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (سورة الرحمن: 26-27).
بقلوب مفعمة بالحزن والأسى انتقلت إلى رحمة الله تعالى المرأة الصالحة وأم الحنان والإحسان والدتي (لطيفة علي المزيرعي) - تغمدها الله بواسع رحمته.
من سنن الله -عزَّ وجلَّ- أن هذه الحياة لا تدوم ولا تصفو لأحد مهما كان، فلا بد من الرحيل ومغادرة هذه الدنيا الفانية لقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (57) سورة العنكبوت، منهم من يرحل ويرحل معه ذكره, ومنهم من يرحل جسداً وتبقى سيرتهم النيرة حاضرة في قلوب محبيه بنقاء سريرتهم وحُسن أخلاقهم وأعمالهم الصالحة.. ووالدتنا الغالية (أم أحمد) رحلت جسداً وبقيت سيرتها محفوظة في القلوب وراسخة في الوجدان. ولا غرابة من ذلك فسيرة (فقيدتنا الغالية) تمثّل جسراً كبيراً في فهم طبيعة المرأة السعودية في (الماضي الجميل) نساء عابدات.. صالحات.. تقيات.. عفيفات.. يخفن الله في السر والعلن.. وفي جوانب حياتها - غفر الله لها - تلك الروح الكبيرة والقلب المنيب, وجمال التقوى والصلاح التي كانت تتمتع بها - رحمها الله - مع حزمها وتدينها، وهي روح الدعابة وزرع الابتسامة لمن حولها وتضفي على زوارها ومحبيها شيئاً من الفرح والسرور التي تدخل القلب بعفوية ونقاء السريرة وجمال تلك الدعابة والطُرف عن حياة الأولين التي ترويها لنا، ولذلك كان حتى الصغار والأحفاد يفرحون عندما يلتفون حول (جدتهم), يشبعون عواطفهم ويعيشون أجواء فرائحية قبل أن يغلق هذا (الباب) برحيلها بعد حياة امتدت لأكثر من (سبعة عقود زمنية)كانت عامرة بالطاعات والعبادات, فقد كانت مربية عظيمة لأبنائها التربية الحسنة.. محافظة على الصلوات خاصة صلاة الفجر كما كانت فقيدتنا الغالية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر..ناصحة للقريبين لها ومحبوبة للصغير والكبير وجميع من يعرفها من الأقارب والجيران لطيبتها المتناهية وصفاء سريرتها..كما كانت -رحمها الله تعالى -محبة للأذكار والاستغفار.. مصاحبة للقرآن الكريم في معظم أوقاتها.. والقرآن نعم الصاحب ونعم السمير, كما كانت والدتي الغالية تحرص على زيارة الأقارب والأحباب والتواصل معهم في كل المناسبات في الأفراح والأتراح. كما كانت تحرص على إنفاق الصدقة وفعل الخير للقريب وللمحتاج وحث أبنائها على هذا العمل العظيم, ومن الأعمال الصالحة التي كانت والدتي -رحمها الله تعالى - حريصة عليها أيضاً لم شمل العائلة وأغلب الأقارب كانوا يفرحون بزيارتهم لها في بيت الوالد - رحمه الله تعالى - الذي كانت معه زوجة صالحة ووفية عاشت معه في كل مراحل حياته الأسرية -رحمه الله - على المودة والمحبة والنقاء والصفاء والوفاء وفي مرضه إلى أن توفي وهو راضعنها -رحمهما الله جميعا- كما كانت تحرص على جمع الأبناء والأقارب والتواصل معهم في مناسبات الأعياد وغيرها لأن قلبها - رحمها الله- كان مفعماً بالعطاء والإيثار والنبل والصدق مع الله في الأقوال والأفعال والأعمال الصالحة.
نعم، كانت والدتي (الراحلة) كريمة.. سخية.. متواضعة أحبها كل من عرفها عن قرب، سواء داخل نسيجنا العائلي أو خارج محيطنا القرابي غير أن رحيلها ترك في القلب لوعة، وفي النفس حسرة، وفي نبرات الصوت غصة.. وعزاؤنا في لوعة الفراق وألم الرحيل أن (فقيدتنا الغالية) كانت امرأة صالحة (صبرت) وشكرت وكانت مدرسة من الصبر والاحتساب والإيمان لقضاء الله وقدره؛ لم تفارقها الابتسامة عندما يزورها الأبناء والأقارب وكل من أحب هذه المرأة الصالحة.. ولأن الإيمان كما يقول الإمام (ابن القيم) - رحمه الله - نصفان.. نصف شكر ونصف صبر، فقد كانت كثيرة الشكر والحمد في كل حال.. ومتمسكة بحبل الصبر المتين بالذات مع بداية مرضها وتعبها.. وفي مرض الوالد وملازمته سرير المرض طويلاً, إلى أن توفت -رحمها الله - بعد حياة عامرة بالطاعات والعبادات, نعم رحلت والدتي الغالية التي كانت باباً للحنان والأمان ونافذة للبهجة والسرور وممراً آمناً للسكينة والاطمئنان.
فما أقسى لحظات الوداع وما أصعب ساعات الفراق.. كيف والمفارق امرأة صالحة عابدة زاهدة بحجم ومكانة أمي الغالية -غفرالله لها - التي كانت حريصة على تطبيق السنة في جميع أمورها مستثمرة أوقاتها في رحاب الطاعات وغنائم العبادات.
أسال العلي القدير أن يجعل ما أصابها تكفيراً للخطايا، وتمحيصاً للذنوب، ورفعة لدرجاتها..اللهم إن والدتنا الغالية (لطيفة) في جوارك فأكرمها بكرمك, وارحمها برحمتك.. فأنت الكريم.. الرحمن.. المنان.. الرحيم.. وأخيراً نقول: إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك.. يا أم الحنان والإحسان لمحزونون.. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا العظيم.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- د. خالد بن علي المنجم