إن استمرار الإنسان على نمط محدد لفترات طويلة جداً دون أن يحدث أي تغيير أو تطور ملحوظ على ما يقوم به أو يمارسه من عمل، لا يعني أنه صاحب أسلوب خاص أو مميز على نحو دائم، بل قد يكون السبب هو خلوه من أمر جديد وخوفه من التجارب التي باعتقاده الخاص أنها قد تقلل من قيمة عمله، أو تقلل من قيمته الشخصية.
إن بقاء الفنان على موضوع واحد أو خطة لونية واحدة ليس دليلاً على تميزه أو إبداعه الخاص إلا إذا كان قد قضى نحبه؛ لأن الإبداع عملية مستمرة ومتجددة لا يمكن أن تقف على شخص أو فكرة أو مرحلة ومن يعتقد ذلك فهو لا يملك ملكة التحليل - مع كامل الاحترام - ولا يعني ذلك أن التطور الإبداعي يخرج عن أصوله, أو قواعده بل هو عملية امتداد لفروعٍ تسبقها جذور.
وإذا كان الفنان يملك قاعدة جماهرية عريضة لا زالت تصفق لكل عمل يطرحه برغم تكراره وتشابهه مع سابقه فإن هذا لا يستبعد أن يكون من بين هذه القاعدة الجماهيرية، أو من خارجها أشخاص يعرفون حقيقة بأنك تعيش في منطقة الراحة Comfort Zone وأنك قد متَّ من الناحية الإبداعية لكن وكما هو معتاد لا أحد يجرؤ على النقد حتى وإن كان بنّاءً لعدم فهم أهمية النقد ودوره في التطور، والإبداع.
إذا كان ما قدمته مجرد رأي - سينظر له الكثيرون ممن أعرفهم ومن لا أعرفهم على الساحة الفنية بأنه رأيٌ قاصر أو خاطئ إذ لم يشبعوني نقضاً وتجريحاً وليس نقداً وتصحيحاً - فتعالوا معي إلى هذا الرأي الذي جعلني أعتقد بقوة أن الفنان إنسان حالم في نومه, ويقظته أكثر من أي إنسان آخر.
هل يعقل أن يستمر هذا الحلم لسنوات طويلة دون أن يحدث له زيادة، أو نقص؟
ألا تتأثر ذاكرة الفنان بالمواقف والمشاعر والأحداث التي تمر في حياته لتؤثر على عمله الفني، وطبيعته؟
الفنان بطبيعته كائن حساس وصاحب حس مرهف قد يتأثر بطبعه بين الشدة والرقة والقسوة واللين لكن لا يمكن أن يجمد وينتج عملاً واحداً وفكرة واحدة على مر السنوات وإلا أصبح مثل نجار تعلم عمل كرسي، وبقي طوال حياته ينتج نفس النوع والشكل من هذا الكرسي الذي تعلمه وأتقنه مع كل الاحترام والتقدير لكلٍّ من الحِرْفة والحِرَفي.
ولكن إذا أراد الفنان أن يستعيد صفته الفنية ولا يكون كصاحب الكرسي؛ فعليه الخروج من منطقة الراحة التي تلفه كشرنقة داخلها، ويبدأ بالتجربة واستعادة الحياة فالوجه الآخر لمنطقة الراحة هو (الموت).
** **
- رفيعة البيشي
dreamy2008@hotmail.com