الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أكَّد متخصصان في العلوم الشرعية أن الاستغفار عبادة عظيمة، ومنحة إلهية للمؤمنين، وهي منهج الأنبياء الأخيار، ومسلك الرسل الأبرار، وعلى الرغم من كثرة الأحاديث الشريفة التي تحضنا على الاستغفار، بل وحاجتنا الماسة له، إلا أن البعض ينشغل عنها.
وشددا على أن للزوم الاستغفار فوائد كثيرة وثمرات عظيمة عاجلة وآجلة، مما يحتم علينا جميعاً ألا نغفل ونتهاون في ذلك، لأن النفس البشرية لا تنفك عن اقتراف الأخطاء والآثام، وكثرة الاستغفار سبب لدفع البلاء والنقم، ونزول الخير والبركة، وإزالة الهم والغم، وتكفير الذنوب.
وتحدث الضيفان عن أهمية الاستغفار وفوائده؛ فماذا قالا؟.
الاستغفار في كل وقت
يقول الدكتور سليمان بن صالح الغصن أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: الأنبياء هم سادة المستغفرين وقدوتهم داوموا عليه وأمروا به أقوامهم، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة) (رواه مسلم)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن تسره صحيفته، فليكثر فيها من الاستغفار).
وقد أثنى الله تعالى على المستغفرين فقال: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}.
والاستغفار يكون في كل وقت ويتأكد في الأحوال التي جاء النص عليها، ويحصل الاستغفار بقول: اللهم اغفر لي، وقول أستغفر الله، وقول: «اللهم إنّي أستغفرك وأتوب إليك»، أو «أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه»، وقول «ربّ اغفر لي».
فوائد وآثار
ويضيف الدكتور سليمان الغصن، قائلاً: وللاستغفار فوائد كثيرة وآثار جليلة منها:
1 - أنه سبب لجلب الأرزاق:
قال تعالى {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52]، وقال الله تعالى عن نبيه نوح: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}.
2 - سبب إجابة الدعاء:
{فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: 61].
3 - سبب في حصول رحمة الله تعالى كما قال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}[هود: 90]، وقال جل وعلا: {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
4 - سبب مغفرة الذنوب كما قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً}.
وفي الحديث القدسي: (يا عبادي، إنكم تُخطئون بالليلِ والنهارِ، وأنا أغْفِرُ الذنوبَ جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم).
5 - سبب منع العقوبة الإلهية
كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
6 - سبب لتفريج الهموم كما في الحديث (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا ومن كل هم فرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب). رواه أبو داود.
أهمية الاستغفار
ويشير الدكتور محمد بن إبراهيم الرومي أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود بالرياض سابقاً: إن من كمال نعمة الله وسعة رحمته أن جعل لعباده طريقاً يرجعون به عن ذنوب اقترفوها وآثام ارتكبوها، وما من عبد إلا وهو معرض لارتكاب الذنوب صغيرة كانت أو كبيرة إما بتركه لما أمره الله به أو فعله لما نهاه عنه وذلك من سنن الله، له فيها حكمة بالغة ليميز الخبيث من الطيب كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث: «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم»، (أخرجه مسلم)، وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون (أخرجه ابن ماجه، والحاكم في المستدرك، والدارمي في سننه، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه).
فالاستغفار سبيل وضعه الله لعباده للعود إليه بعد الذنب؛ ليعفو عن سيئاتهم، ويقيهم شر عقوبتها، ويوفقهم لفعل الحسنات، وللاستغفار أهمية كبيرة تكمن في الاستجابة لأمر الله تعالى حيث إن الله تعالى أمر عباده في آيات كثيرة في كتابه العزيز، كما في مثل قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}، وقوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجلَّ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} وغير ذلك من الآيات التي أمر الله فيها عباده بالاستغفار، وكذلك مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على الاستغفار، وقد ورد ذلك في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان يستغفر ربه في اليوم أكثر من سبعين مرة، كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» (أخرجه البخاري)، وكما في الحديث الذي رواه الأغر المزني رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله، في اليوم مائة مرة»، وذكر عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنهم كانوا يعدون لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلَّس الواحد مائةً مرة: «رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم» (أخرجه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود) هذا، مع أنه صلى الله عليه وسلم قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإنما كان استغفاره صلى الله عليه وسلم شكرًا لله وإعظاماً لجلَّاله سبحانه وتعالى.
ويبين الدكتور الرومي إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلِّم من أسلم من صحابته حديث الاستغفار والدعاء، فعن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال: «كان الرجلَّ إذا أسلم علَّمه النبي الصلاة، ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني»، كما أن الله جلَّ وعلا أثنى على أوليائه وعباده الصالحين وذكر من أوصافهم أنهم يستغفرون، وفي ذلك دليل على أهمية الاستغفار، يقول جلَّ شأنه: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}.
فوائد الاستغفار
ويؤكد الدكتور محمد الرومي إلى أن للاستغفار نتائج حسنه وفوائد طيبة، حيث أن الاستغفار يجلب الرحمة، يدل على ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}، وقوله تعالى في خطاب شعيب عليه السَّلام لقومه: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}، كما أن الاستغفار سبب لفتح أبواب الخيرات والبركات على الناس، يفيد ذلك قوله جلَّ وعلا على لسان نبي الله هود علية السَّلام لقومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ..}، وقوله جلَّ شأنه على لسان نوح عليه السَّلام لقومه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}، والاستغفار سبب لتفريج الهم وتيسير الرزق وتسهيله، قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب»، والاستغفار دليل على اعتراف العبد بتقصيره في حقوق مولاه ومن علامات رجوعه إليه قبل أخذه إياه بذنوبه، وقد تبين ذلك في سيد الاستغفار في قول العبد: «... وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» (أخرجه البخاري) وقوله: «وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت..».
ويضيف د. محمد الرومي أن الاستغفار نوع من أنواع الذكر، والذكر من أجل العبادات القولية حث الله عليه في مواضع شتى في كتابه العزيز في مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}، وكذلك يعين الاستغفار العبد على أن تكون دعوته مستجابة، حيث جعل الاستغفار من آداب الدعاء التي ينبغي أن يقدمها الداعي قبل التوجه بطلبه إلى ربه جلَّ وعلا، وبسبب الاستغفار يقبل الرب على عبده ويفرح بفعله ويرضى به، قال صلى الله عليه وسلم: «لله أفرح بتوبة العبد من رجلَّ نزل منزلاً وبه مهلكه، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، ثم رفع رأسه، فإذا راحلته عنده عليها زاده: طعامه وشرابه، فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده»، كما أن الاستغفار أمان من غضب الجبار وعقابه، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، وأنه سبب لدفع المصائب قبل نزولها ورفعها بعد نزولها، فقد تقرر بأن وقوع المصائب والبلايا بسبب الذنوب، وإذا استغفر العباد ربهم وتابوا إليه توبة نصوحاً من ذنوبهم فإن الرب جلَّ وعلا يقبل التوبة ويرفع تلك المصائب النازلة بسبب الاستغفار، قال تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}، وبالاستغفار تحصل مغفرة الذنوب من رب العزة جلَّ وعلا، والمغفرة وقاية شر الذنب حتى لا يعاقب العبد بذنبه وليس مجرد الستر.
قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}، وقال تعالى: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وبالاستغفار يورث العبد دخول الجنة، ففي حديث سيد الاستغفار: «ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة»، كما أنه يجعل العبد ممن يذكرون عند الرب جلَّ وعلا، فالاستغفار نوع من أنواع الذكر، وإذا داوم العبد عليه فإنه يدخل فيمن يشملهم الوعد الكريم من الرب الرحيم في قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: «إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي...».